وأهل البدع لا يجعلون اعتمادهم في الباطن ونفس الأمر على ما تلقوه عن الرسول، بل على ما رأوه أو ذاقوه، ثم إن وجدوا السنة توافقهم وإلا لم يبالوا بذلك، فإذا وجدوها تخالفه أعرضوا عنها تفويضا، أو حرفوها تأويلا".
وابن تيمية إذ يحصر الأسباب التي تجعل التأويل مردودا في المنهجية المتبعة في التفسير - أي أنها كلها أسباب خارجية عن النص، وليست متولدة منه - ينطلق من قاعدة أساسية سطرها عند تحديد موقفه من التأويل، والتي تنص على أن كل ما في القرآن يستطيع أهل العلم وأهل الإختصاص الوقوف على معناه، وأنه ليس في القرآن ما لا يدرك علمه.
سابعا: مرتكزات التفريق بين نوعي التأويل عند صاحب مقدمة "كتاب المباني ":
وهذا المؤلف المجهول ـ لذي يتضح لنا من طريقة معالجته لقضية التأويل أنه يتبنى منهج أهل السنة في التفسير ـ يرى أن السبب في رد التأويل هو سبب منهجي، ذلك أن المفسر قد يحمل معنى الآية على حديث معين، أو على معنى لغوي معين ثم يجزم بأن ذلك هو وحده مراد الله. والتعامل مع كتاب الله تعالى بهذه الصورة يعد من قلة الأدب، فضلا عما فيه من بعد عن الموضوعية، وعن البحث العلمي النزيه الذي لا يقر الآراء الشخصية ـ ولو كانت نابعة عن اجتهاد ودراسة وبحث ـ ويجعلها وحدها الصحيحة دون غيرها، فيعطل بذلك المسيرة العلمية التي هي مظنة الخصب الفكري، والنماء العلمي والمنهجي ". وقال بعض العلماء: ما روى في كراهة التفسير فعلى جهات:
أحداها: أن تفسر ذلك بأحاديث متفردة على الجزم والقطع، لا على أن ذلك كما روى، والآية تحتمل غيره، أو على الجهل بكلام العرب، وحجج العقول.
فأما على الوجه الآخر من اشتراط معاني لفظة من ألفاظ اللغة وأحكامه من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم وتعميم خاصه وتخصيص عامه، وإجازة ما احتمل المعاني، ورد ذلك إلى أنه لا يجوز أن يكون أحد تلك المعاني بغير قطع، أو كلها إن كانت جائزة، ورد ذلك إلى الله صلى الله عليه وسلم، إذ لم يصمم على شيء من ذلك، وليس في ظاهر الآية دلالة عليه، فذلك هو الجائز ".
من خلال هذا العرض المفصل للأسباب النصية والمنهجية، أو الداخلية النابعة من النص، والخارجية المفروضة عليه من الخارج، وغير المنسجمة معه، يمكننا حصر أنواع التأويل الباطلة في النقط التالية:
1 - التأويل مع الجهل بالعلوم الضرورية ـ أو ما يعرف بعلوم الآية ـ لكل من يروم تفسير الذكر الحكيم، وهي تبدأ بعلوم اللغة كلها مرورا بالسيرة والفقه وأصول الفقه، وانتهاء بعلوم القرآن كلها.
2 - تأويل المتشابه من غير سند من الكتاب أو السنة.
3 - حمل المعنى القرآني على ظاهر اللغة، والتعسف في تفسيره تفسيرا لغويا بحتا من غير الرجوع إلى علوم القرآن والسيرة، والفقه وأصول الفقه، وإلى أقوال العلماء.
4 - التفسير المذهبي الذي يحكم الرأي والهوى في تفسير القرآن الكريم، ومعارضته بالرأي أو العقل أو القياس، أو الوجد والذوق وغير ذلك.
5 - تخصيص اللفظ القرآني العام من غير حجة أو دليل، فضلا عن أن السياق لا يحتمل تخصيصه.
6 - التلفيق بين لفظتين كل منهما وردت في سياق مخالف للسياق الذي وردت فيه الأخرى.
7 - عدم التقيد بمصادر التفسير وفق الترتيب المتفق عليه من طرف أهل السنة، حيث يفسر القرآن بالقرآن، فإن لم نجد فسرناه بالسنة، فإن لم نجد فسرناه بأقوال الصحابة، فإن لم نجد فبأقوال التابعين فإن لم نجد جاز الاجتهاد لمن توفرت فيه شروطه.
8 - تفسير الآية من القرآن ثم القطع بأن ذلك هو مراد الله، وفي ذلك غلق لباب الإجتهاد فضلا عما فيه من قلة أدب في التعامل مع كلام الله سبحانه.