تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وابن تيمية ينص في هذا السبب على أنه يتعين على من يشتغل بالتفسير أن لا يقول برأيه في آية ثبت تفسيرها من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم " ومما ينبغي أن يعلم أن القرآن والحديث إذ عرف تفسيره من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى أقوال أهل اللغة فإنه قد عرف تفسيره، وما أريد بذلك من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم، ولهذا قال الفقهاء " الأسماء ثلاثة أنواع " نوع يعرف حده بالشرع كالصلاة والزكاة، ونوع يعرف حده باللغة كالشمس والقمر، ونوع يعرف حده بالعرف كلفظ القبض، ولفظ المعروف في قوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) ".

2 - معارضة القرآن بالرأي والذوق والوجوه، في حين يتعين على المفسر أن لا يعارض القرآن إلى بالقرآن، أو بما صح من السنة التي تفسره وتوضحه، ولا يجوز إطلاقا ـ وذلك هو مذهب السلف ـ معارضته لا بالمعقول ولا بالقياس، ولا بالرأي ولا بالوجد، ولا بأي شيء من ذلك كله، فقد " كان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن لا برأيه ولا ذوقه ولا معقوله، ولا قياسه ولا وجده. فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات، والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم ... فكان القرآن هو الإمام الذي يقتدى به، ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس، ولا بذوق ووجد ومكاشفة، ولا قال قط قد تعارض في هذا العقل والنقل، فضلا عن أن يقوم فيجب تقديم العقل والنقل ـ يعني القرآن والحديث وأقوال الصحابة والتابعين ـ إما أن يفوض وإما أن يؤول ... ولم يكن السلف يقبلون معارضة الآية إلا بآية أخرى تفسرها وتنسخها، أو بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تفسرها، فإن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين القرآن وتدل عليه وتعبر عنه".

وحتى لا ينخرم ما بنى عليه ابن تيمية حكمه ـ من أن السلف لم يكن يعرف لديهم معارضة القرآن بالعقل والرأي والذوق، أو الوجد والقياس ـ يناقش كيفية ظهور البدع الأولى، فيبين أن بدعة الخوارج لم تكن نتيجة معارضتهم القرآن الكريم بالرأي أو العقل أو القياس أو الوجد أو شيء من ذلك، بل كانت نتيجة سوء فهمهم للقرآن الكريم لا غير. وفي ذلك يقول ابن تيمية "وكانت البدع الأولى مثل " بدعة الخوارج " إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب، إذ كان المؤمن هو البر التقي، قالوا: فمن لم يكن برا تقيا فهو كافر، وهو مخلد في النار، ثم قالوا: وعثمان وعلي ومن والاهما ليسوا بمؤمنين لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله ".

وحتى لا تضيع المقاييس أو تلتبس بغيرها، يبين الأصل والقاعدة المنهجية، الفاصلة والمميزة بين منهج أهل السنة في البحث العلمي، وبين منهج أهل البدعة، فأهل السنة لا يتكلمون في شيء من الدين إلا اتباعا لما جاء به أهل الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا أراد العالم السني معرفة شيء من الدين نظر في الكتاب والسنة، فهما المعين والمصدر الذي لا ينضب، وهما اللذان يمدانه بالمعرفة الحقيقية التي لا يحتاج بعدها إلى أي معرفة أخرى. كيف لا وهي معرفة تفجرت من عرش الرحمن، ورشحت على لسان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أما أهل البدعة فهم يجعلون آراءهم ومواجيدهم وعقولهم وأذواقهم، هي الأصل الذي يستمدون منه تصورهم للوجود كله، ثم ينظرون في الكتاب والسنة فإن وجدوا فيهما ما يوافق مذهبهم، أو هواهم أو مواجيدهم، اتخذوه حجة على صحة مذهبهم وسلامة منزعهم، وإن وجدوهما يخالفان ما ذهبوا إليه، أعرضوا عنهما بدعوى تفويض أمره إلى الله تعالى، أو حرفوهما بدعوى التأويل.

يقول ابن تيمية: " فعلى كل مؤمن أن لا يتكلم في شيء من الدين إلى تبعا لما جاء به الرسول، ولا يتقدم بين يديه، بل ينظر ما قال، فيكون قوله تبعا لقوله، وعلمه تبعا لأمره. فهكذا كان الصحابة ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين، لهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله، ولا يؤسس دينا غير ما جاء به الرسول، فمنه يتعلم وبه يتكلم، وفيه ينظر ويتفكر وبه يستدل، فهذا أصل أهل السنة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير