تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

د- أن الجملة الاسمية، الأصل فيها أنها تدل على الثبوت والاستمرار، بخلاف الفعلية فهي تدل على التجدد والحدوث، وهذا ليس على إطلاقه بل لذلك تفصيل مرده في الجملة الاسمية إلى نوع الخبر، فله الأثر الكبير في تغير الدلالة، يقول الكفوي: ((الجملة الاسمية تدل بمعونة المقام على دوام الثبوت، وإن دخل عليها حرف النفي دلت على استمرار الثبوت، وإذا دخل عليها حرف الامتناع دلت على استمرار الامتناع، وإذا كان خبرها اسماً فقد يقصد بها الدوام والاستمرار الثبوتي بمعونة القرائن، وإذا كان خبرها مضارعاً فقد يفيد استمراراً تجددياً)) ().

((أما الفعلية فإنها تفيد الحدوث: يجيء الشتاء، يفوز المجتهد ... وقد تفيد الاستمرارية بالقرائن ... ومنه قول المتنبي:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم)) ()

وخلاصة القول في هذا أن الحكم على الجملة الاسمية بأنها تفيد الثبوت والاستمرار دائماً حكم لا يصح على إطلاقه بل هي خاضعة في ذلك لنوع خبرها، فإن كان اسماً مفرداً أو جملة اسمية مثل: الضوء ساطع، والله فضله عظيم، فهي تفيد الثبوت لعدم وجود منازع لدلالة الاسم فيها، وربما تدل على الدوام بالقرائن، وإن كان الخبر فيها فعلاً مضارعاً دلت على التجدد والنشوء، وإن كان ماضياً دلت على الانقضاء فلا استمرارية ولا تجدد ().

تحليل الشواهد القرآنية

ومما تنوع فيه الأسلوب بين الجملتين، قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ} [247 البقرة]، فقوله جل ذكره: (ونحن أحق) و (ولم يؤت) حالان عطفت إحداهما على الأخرى ()، واختلفتا في الاسمية والفعلية، فما سر ذلك؟.

يقول الطاهر بن عاشور: ((وجعلوا الجملة حالاً للدلالة على أنهم لما ذكروا أحقيتهم بالملك لم يحتاجوا إلى الاستدلال على ذلك؛ لأن هذا الأمر عندهم مسلم معروف، إذ هم قادة وعرفاء وشاوول رجل من السوقة، فهذا تسجيل منهم بأحقيتهم عليه، وقوله: (ولم يؤت سعة من المال) معطوفة على الحال فهي حال ثانية، وهذا إبداء مانع فيه من ولاية الملك في نظرهم، وهو أنه فقير وشأن الملك أن يكون ذا مال ... )) ()، ولو عدنا إلى الجملة الاسمية: (ونحن أحق) لرأينا أنها تدل على أنهم أرادوا إظهار أنفسهم وإشهارها، لذا قدموا ضميرهم (نحن) ثم جاءوا بـ (أحق) الدالة على التفضيل، ثم ذكروا ما فيه التفضيل، ثم نصوا على المفضَّل عليه (منه)، فالكلام مبني على إظهار اختصاصهم وفخرهم، وهذا ما تنوء به الجملة الاسمية على النمط الذي سيقت عليه ()، يقول الحرالي: ((فثنوا اعتراضهم بما هو أشد، وهو الفخر بما ادعوه من استحقاق الملك على من ملكه الله عليهم، فكان فيه حظ من فخر إبليس حيث قال حين أمر بالسجود لآدم: أنا خير منه)) ().

أما الحال الثانية فقد جاءت فعلية فعلها مضارع منفي، وكان يمكن أن تجيء مكانها الاسمية فيقال: (وهو فقير) فتتناسق الجملتان، فما سر العدول عنها إلى الفعلية؟.

إن أول ما يلحظ في الفرق بينها أن الفعلية نافية، والاسمية مثبتة، والمناسب هنا النفي؛ لأنهم أرادوا بمجموع كلامهم إبراز أحقيتهم بالملك، فذكروا ذلك بإثبات الأحقية لهم، فكان من المناسب أن يضيفوا ما يبين عدم أحقيته وذلك بأن ينفوا عنه ما به يكون الملك في نظرهم وهو المال؛ لأن الحاكم يتقوى به ويجلب به الأعوان، و ((ليكفي نوائب الأمة فينفق في العدد والعطاء، وإغاثة الملهوف)) ()، فلو قيل: (وهو فقير) لكان في ذلك إثبات لفقره فحسب، وأما (ولم يؤت سعة من المال) ففيه تصريح بفقره، وأنه وإن ملك منه شيء إلا أنه لا يفي بالمطلوب، فلا بد من (سعة المال)، وفيه تنصيص على نوع المفقود وهو (المال)، وأنه لو ملكه لربما قبل منه ذلك، ولعل فيه إشعاراً بأنه لا سبيل إلى اغتنائه بحال من الحال، مثل قولهم: فلان لم يؤت العلم، أي: مهما تعلم لا يُفلح، فهذا مثله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير