تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن الشواهد الجامعة بين الجملتين قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى، وَهُوَ يَخْشَى، فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [8 - 10 عبس]، يقول السمين: (((يسعى): حال من فاعل (جاءك)، وقوله: (وهو يخشى) جملة حالية من فاعل (يسعى) فهو حال من حال، وجعلها حالاً ثانية معطوفة على الأول ليس بالقوي)) ()، فالأظهر فيها أنها حال متداخلة، يقول عبدالستار سعيد عن دلالة هاتين الجملتين: ((دلالة (يسعى) غير دلالة (وهو يخشى) ففي (يسعى) دلالة على تصوير حركة الماشي الذي يقطع الطريق شيئاً فشيئاً، وفي (وهو يخشى) إثبات الخشية من الله لذلك الماشي، والجملتان حاليتان لاتقوم إحداهما بما قامت به الأخرى)) ()؛ لأن الحال الأولى حركية فعلية فناسب إظهارها الفعل لما فيه من التنصيص على الحركة وهي (السعي) من أول الأمر، وهي حركة تنشأ شيئاً فشيئاً وهذه هي دلالة الفعل، ولو قيل: (وهو يسعى) لكان في ذلك لفتاً للساعي ذاته لا لفعله، فلما كان الساعي معلوماً والاهتمام إنما بتصوير حالته وهيئته في قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم طالباً للمزيد من الخبر كان الفعل هو الأنسب لتصوير تلك الحال، أما الحال الثانية فجاءت لبيان استقرار الخشية من الله في قلبه، أو لإظهار ضعفه حيث كان أعمى لا قائد له فهو يخاف العثار والسقوط والهوام ()، وجيء بالضمير للتنصيص على أن ذلك الساعي هو من هذه الحالة، أو لتأكيد اتصافه بالخشية وديمومتها فيه، خاصة إذا نظرنا للخشية بأنها عمل قلبي الأصل فيه الديمومة فتناسبه الجملة الاسمية الدالة على ذلك.

وهكذا تتعدد الشواهد وتتنوع الصيغ والأساليب، لكن يبقى للجملة الفعلية التي عمادها الفعل دلالتها الخاصة التي يسندها فيها لواحق وسوابق، كأدوات النفي ونونا التوكيد، وكل ذلك يؤثر في دلالة الجملة الفعلية، وكذلك الاسمية فدلالة التوكيد فيها أظهر وأقوى لتعدد أدوات التوكيد معها على ما سبق ذكره، وتبقى للفعل دلالة الإنشاء والحركة، وللاسم دلالة الثبوت والسكون، ويظل للسياق والقرائن في ذلك الأثر الكبير في الحكم بهذا أو ذاك.


(1) - تجديد النحو 253، 254.
(2) - المثل السائر 2/ 269.
(3) - انظر المثل السائر 2/ 269 وما بعدها.
(4) - المثل السائر 2/ 274.
(5) - انظر بعض هذا في تجديد النحو 253 وما بعدها.
(6) - انظر الطراز 2/ 25 وما بعدها.
(7) - دلائل الإعجاز 135، 136.
(8) - الكليات: 1010 المتن والحاشية.
(9) - البلاغة فنونها وأفنانها (علم المعاني) 92،والبيتان في ديوان المتنبي (بشرح العكبري) 3/ 378،379، ولمزيد من معرفة هذه الفروق بين الجملتين يحسن الاطلاع على ما قيل حول قوله تعالى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ} [62 الأعراف] في حق نبي الله نوح عليه السلام، و قوله تعالى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [68 الأعراف] في حق نبي الله هود عليه السلام، انظر ذلك بتوسع في: مفاتيح الغيب 14/ 127،وملاك التأويل1/ 401،والبحر المحيط 5/ 87، ونظم الدرر 7/ 436، وتفسير أبي السعود 3/ 238، وروح المعاني المجلد الرابع الجزء الثامن 156، والتحرير والتنوير 8 القسم الثاني 203.
(10) - ينظر بعض هذا في البلاغة فنونها وأفنانها (علم المعاني) 92.
(11) - انظر الكشاف، وكلام الزمخشري الممتع عن الفرق بين الواوين، وكذلك تعليق ابن المنير عليه 1/ 292 وانظر أيضاً البحر المحيط 2/ 575 والدر المصون 2/ 521.
(12) - التحرير والتنوير 2/ 491.
(13) - انظر الضمير المنفصل في النظم القرآني دراسة بلاغية تطبيقية (رسالة ماجستير) 270.
(14) - نظم الدرر 3/ 416، 417.
(15) - التحرير والتنوير 2/ 491.
(16) - انظر البحر المحيط 2/ 672،673، والدر المصون 2/ 597، 598.
(17) - الدر المصون 2/ 598.
(18) - التحرير والتنوير 3/ 54.
(19) - البحر المحيط 3/ 137.
(20) -التحرير والتنوير 3/ 242، وقد قال هذا على أن (أنّى) يقصد بها المكان.
(21) - البحر المحيط 3/ 136.
(22) - انظر التبيان 1/ 449.
(23) - المحرر الوجيز 5/ 147.
(24) - انظر المحرر الوجيز 5/ 146، والبحر المحيط 4/ 310.
(25) - لعل الصحيح أنه نظير: قام زيد، قام زيد ليظهر تكرر الإسناد، فالقيام أسند إلى زيد مرتين، أما ما ذكره فهو تكرار في الفاعل من غير تكرر للعامل؛ وبهذا لم يتكرر الإسناد، وإنما يتكرر في الجملة الواحدة في مثل آية الاستشهاد.
(26) - البحر المحيط 4/ 310، 311.
(27) - البحر المحيط 4/ 310.
(28) - انظر الفريد في إعراب القرآن المجيد 3/ 179،180.
(29) - الدر المصون 10/ 688.
(30) - الحال في الأسلوب القرآني 127.
(31) - البحر المحيط 10/ 407.

ـ[ناصر الصائغ]ــــــــ[07 Aug 2006, 03:04 م]ـ
بارك الله فيكم يا أبا عمر ونفع الله بعلمكم

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير