تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اسم (الآباء) ينتظم الأجداد؛ لأن المراد بالآباء الأصول، وقوله: (إلا ما قد سلف) استثناء من (ما نكح)، قال الزمخشري، فإن قلتَ: كيف استثنى ما قد سلف من (ما نكح آباؤكم)؟ قلتُ: كما استثنى (غير أن سيوفهم) من قوله: (ولا عيب فيهم)، يعني: إنْ أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه، فلا يحلّ لكم غيره؛ وذلك غير ممكن، والغرض المبالغة في تحريمه وسدُّ الطريق إلى إباحته، فأخرج الكلام مخرج التعليق بالمحال، نحو قوله تعالى: (حتى يلج الجمل في سمّ الخياط) [الأعراف:40] (1) ( http://tafsir.org/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=25885#_ftn1).

أشار بهذا الزمخشري إلى بيت النابغة:

ولا عيبَ فيهم غير أن سيوفهم،،،،،،،،،بهنّ فلولٌ من قراع الكتائب

"واستثناء (غير أن سيوفهم بهن فلول) من (العيب) للمبالغة في النفي، فإن معنى (أن سيوفهم بهن فلول) هو الشجاعة، واستثناء الشجاعة من العيب لا بدّ أن يكون على تقدير كونها عيباً، فيكون وجود العيب فيهم لا يكون إلا على تقدير أن تكون الشجاعة عيباً، لكن هذا محال، وما لا يثبت إلا على تقدير محال يكون محالاً، فوجود العيب فيهم محال، فهذا الطريق أبلغ من نفي العيب عنهم من أن يقال: لا عيب فيهم بدون استثناء" (2) ( http://tafsir.org/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=25885#_ftn2).

وذكر التفتازاني هذه الآية في (المطول) أثناء حديثه عن (المحسنات المعنوية) تحت عنوان: (تأكيد المدح بما يشبه الذم)، وقال: إن النظر في هذه التسمية على الأعم الأغلب، وإلا فقد يكون ذلك في غير المدح والذم (3) ( http://tafsir.org/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=25885#_ftn3)، والمقصود (تأكيد الشيء بما يشبه نقيضه)، وعلى هذا فالاستثناء متصل (4) ( http://tafsir.org/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=25885#_ftn4).

وذهب قوم إلى أن الاستثناء في قوله: (إلا ما قد سلف) منقطع؛ ووجه الانقطاع أن الماضي لا يجامع المستقبل، والنهي يتعلق بالمستقبل، "فالفعل المضارع مع النهي مدلوله إيجاد الحدث في المستقبل"، و (ما قد سلف) ماضٍ، فكيف يُستثنى الماضي من المستقبل؟ والمعنى: أنه لما حرم عليهم نكاحَ ما نكح آباؤهم، دلّ على أن متعاطي ذلك بعد التحريم آثم، وتطرّق الوهم إلى ما صدر منهم قبل النهي، ما حكمه؟ فقيل: (إلا ما قد سلف)، أي: لكن ما قد سلف، فلم يكن يتعلق به النهي فلا إثم فيه.

فمعنى الاستثناء هنا أن النكاح الواقع في الماضي من النكاح المنهي عنه لا مؤاخذة عليه، لا أن مقرر، لأنه صلى الله عليه وسلم ما أقرّ أحداً على نكاح امرأة أبيه، وإنْ كان واقعاً فيما مضى من زمن الجاهلية.

وهذا المذهب "يأباه قوله تعالى: (إنه كان فاحشة ومقتاً)، فإنه تعليل للنهي، وبيان لكون المنهي عنه في غاية القبح مبغوضاً أشدّ البغض، وأنه لم يزل في حكم الله تعالى وعلمه موصوفاً بذلك ما رخّص فيه لأمة من الأمم، فلا يلائم أن يوسّط بينهما ما يهوّن أمره من ترك المؤاخذة على ما سلف منه" (5) ( http://tafsir.org/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=25885#_ftn5).

( إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً): إن نكاح حلائل الآباء كان ولا يزال أمراً فاحشاً متجاوزاً الحدّ في قبحه، وممقوتاً شديد البغض والاحتقار، حتى إن العرب كانت تسمي الولد منه مقيتاً ومقتياً، أي: مبغوضاً محتقراً، (وساء سبيلاً) أي: وبئس طريقاً طريق ذلك النكاح الذي اعتادته الجاهلية.

يتبع ......

(وقفات مع نظم الآية)

*****************************

(1) ( http://tafsir.org/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=25885#_ftnref1) ينظر: الكشاف، (483:1).

(2) ( http://tafsir.org/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=25885#_ftnref2) حاشية شيخ زادة، (289:3).

(3) ( http://tafsir.org/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=25885#_ftnref3) ينظر: المطول شرح تلخيص مفتاح العلوم، التفتازاني، ص672.

(4) ( http://tafsir.org/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=25885#_ftnref4) ينظر: حاشية الشهاب، (235:3)، والدر المصون، السمين الحلبي، (339:2).

(5) ( http://tafsir.org/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=25885#_ftnref5) تفسير أبي السعود، (159:2).

ـ[مهند شيخ يوسف]ــــــــ[10 Aug 2006, 07:02 ص]ـ

جزاكم الله خيرًا.

متابعون!

ـ[روضة]ــــــــ[10 Aug 2006, 10:53 ص]ـ

بارك الله فيكم ... شكراً على مروركم الكريم

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[10 Aug 2006, 03:13 م]ـ

قال ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد في ذكره لأمثلة الاستثناء المنقطع:

(المثال الربع: قوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} فهذا من الاستثناء السابق زمان المستثنى فيه زمان المستثنى منه، فهو غير داخل فيه؛ فمن لم يشترط الدخول فلا يقدر شيئا ومن قال لا بد من دخوله قدر دخوله في مضمون الجملة الطلبية بالنهي؛ لأن مضمون قوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم} الإثم والمؤاخذة، أي أن الناكح ما نكح أبوه آثم مؤاخذ إلا ما قد سلف قبل النهي وإقامة الحجة فإنه لا تتعلق به المؤاخذة.

وأحسن من هذا عندي أن يقال لما نهى سبحانه عن نكاح منكوحات الآباء أفاد ذلك أن وطأهن بعد التحريم لا يكون نكاحا البتة، بل لا يكون إلا سفاحاً، فلا يترتب عليه أحكام النكاح من ثبوت الفراش ولحوق النسب، بل الولد فيه يكون ولد زنية. وليس هذا حكم ما سلف قبل التحريم فإن الفراش كان ثابتا فيه، والنسب لاحق فأفاد الاستثناء فائدة جليلة عظيمة وهي أن ولد من نكح ما نكح أبوه قبل التحريم ثابت النسب وليس ولد زنا. والله أعلم.) انتهى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير