تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بالهزء والسخرية، وأخذت كرام الخيل تهجر بلادهم إلى بلاد أُخرى؟ أليس أغرب ما يُستغرب أن أُناساً يزعمون أن هذا الكتاب كتابهم، يكون طُلاب العلوم الدينية منهم أشد الناس رهبة من ركوب الخيل، وأبعدهم عن صفات الرجولية، حتى وقع من أحد أساتذتهم المشار إليهم بالبنان عندما كنت أكمله فى منافع بعض العلوم وفوائدها فى علم الدين أن قال: "إذا كان كل ما يفيد فى الدين نُعَلِّمه لطلبة العلم، كان علينا إذن أن نعلمهم ركوب الخيل"! يقول ذلك ليفحمنى وتقوم له الحُجَّة علىّ، كأن تعليم ركوب الخيل مما لا يليق ولا ينبغى لطلبة العلم، وهم يقولون إن العلماء ورثة الأنبياء، فهل هذه الأعمال وهذه العقائد تتفق مع الإيمان بهذا الكتاب؟ أنصف ثم احكم".

ومثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [3] من سورة الماعون: {وَلاَ يَحُضُّ عَلَى? طَعَامِ ?لْمِسْكِينِ} .. نجده يقرر: أن قوله: {وَلاَ يَحُضُّ عَلَى? طَعَامِ ?لْمِسْكِينِ}، كناية عن الذى لا يجود بشىء من ماله على الفقير المحتاج إلى القوت الذى لا يستطيع له كسباً".

ثم يقول: "وإنما جاء بالكناية ليفيدك أنه إذا عرضت حاجة المسكين، ولم تجد ما تعطيه، فعليك أن تطلب من الناس أن يعطوه. وفيه حث للمصدِّقين بالدين على إغاثة الفقراء ولو بجمع المال من غيرهم وهى طريقة الجمعيات الخيرية، فأصلها ثابت فى الكتاب بهذه الآية، وبنحو قوله تعالى فى الآيتين [17، 18] من سورة الفجر: {كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ?لْيَتِيمَ * وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَى? طَعَامِ ?لْمِسْكِينِ}، ونعمت الطريقة هى لإغاثة الفقراء، وسد شىء من حاجات المساكين".

ومن أجل هذه الروح التى تسيطر على الأستاذ الإمام فى تفسيره، نجد الشيخ المراغى رحمه الله يقول: "وكانت دروسه يجد علماء الاجتماع فيها تطبيق القرآن على معارفهم".

* *

* تفسيره للقرآن على ضوء العلم الحديث:

كذلك نجد الأستاذ الإمام - رحمه الله - يتناول بعض آيات القرآن فيشرحها شرحاً يقوم على أساس من نظريات العلم الحديث، وغرضه بذلك: أن يوفق بين معانى القرآن التى قد تبدو مستبعَدة فى نظر بعض الناس، وبين ما عندهم من معلومات توشك أن تكون مُسَلَّمة عندهم، أم هى مُسلَّمة بالفعل، وهو - وإن كان يرمى من وراء ذلك إلى غرض نبيل - يخرج أحياناً بمثل هذا الشرح والبيان عن مألوف العرب، وما عُهِد لديهم وقت نزول القرآن.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى أول سورة الإنشقاق: {إِذَا ?لسَّمَآءُ ?نشَقَّتْ} .. نجده يقول: "انشقاق السماء، مثل انفطارها الذى مَرَّ تفسيره فى سورة {إِذَا ?لسَّمَآءُ ?نفَطَرَتْ}، وهو فساد تركيبها، واختلال نظامها، عندما يريد الله خراب هذا العالَم الذى نحن فيه، وهو يكون بحادثة من الحوادث التى قد ينجر إليه سير العالَم، كأن يمر كوكب فى سيره بالقُرب من آخر فيتجاذبا فيتصادما فيضطرب نظام الشمس بأسره، ويحدث من ذلك غمام وأى غمام، يظهر فى مواضع متفرقة من الجو والفضاء الواسع، فتكون السماء قد تشققت بالغمام، واختل نظمها حال ظهوره".

هذا التفسير من الأستاذ الإمام عمل جليل يُشكر عليه، إذ غرضه من ذلك تقريب معانى القرآن وما يُخبر به من عقول الناس، بما هو معهود عندهم ومُسَلَّم لديهم. ولكن هل لا بد فى فساد الكون من أن يترتب على مثل هذه الظاهرة الكونية؟ وهل يعجز الله عن إفساده وإخلاله بأمر آخر غير ذلك؟ أليس الأولى بنا أن نؤمن بما جاء به القرآن، ولا نخوض فيما وراء ذلك من تفصيلات كما هو مذهب الشيخ؟ أحسب أن الشيخ يضرب ذلك مثلاً، ولا يريده على أنه أمر لا بد منه.

ومثلاً عندما يعرض لتفسير سورة الفيل، بعد أن ذكر ما قيل فى إرسال الطير على أبرهة، وما جاءت به بعض الروايات من أن الذى أصابهم هو داء الجدرى والحصبة يقول: "وقد بيَّنت لنا هذه السورة الكريمة، أن ذلك الجدرى أو تلك الحصبة نشأت من حجارة يابسة سقطت على أفراد الجيش، بواسطة فِرَق عظيمة من الطير مما رسله الله مع الريح، فيجوز لك أن تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذى يحمل جراثيم بعض الأمراض، وأن تكون هذه الحجارة من الطين المسموم اليابس، الذى تحمله الرياح فيعلق بأرجل هذه الحيوانات فإذا اتصل بجدسه دخل فى مسامه، فأثار يه تلك القروح التى تنتهى بإفساد الجسم وتساقط لحمه، وإن كثيراً من هذه الطيور الضعيفة يُعَد من أعظم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير