تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"يُسرف المسرف فى الشهوات، ويتهتك المتهتك فى المنكرات، حتى ينفد المال، وتسوء الحال، ويستبدل الذل بالعز، والفقر بالغنى، ولا سبب لذلك إلا ضياع صبره فى مقاومة الهوى، وضبط نفسه عن مواقع الردى، ولو صبر فى مجاهدة تلك النزعات لما كان قد خسر ماله، وأفسد حاله .. وهكذا لو أردت أن أعد جميع الرذائل، وأبحث عن عللها الأولى، لوجدتموها تنتهى إلى ضعف الصبر أو فقده. ولو سردتَ جميع الفضائل وطلبتَ ينبوعها الذى تستمد منه حياتها لما وجدتَ لها ينبوعاً سوى الصبر، أفلا يكون جديراً بعد هذا بأن يُخَص بالذكر".

ثم يبين بعد ذلك وسائل الدعوة إلى الخير فيقول: " ... يجب على العلماء ومَن يتشبه بهم، أن يتعلموا من وسائل القيام بالواجب ما تدعو إليه الحال، على حسب الأزمان واختلاف أحوال الأُمم، وأول ما يجب عليهم فى ذلك أن يتعلموا التاريخ الصحيح، وعلم تكوين الأُمم، وارتفاعها وانحطاطها، وعلم الأخلاق وأحوال النفس، وعلم الحس والوجدان، ونحو ذلك مما لا بد منه فى معرفة مداخل الباطل إلى القلوب، ومعرفة طرق التوفيق بين العقل والحق، وسُبُل التقريب بين اللَّذة والمنفعة الدنيوية والأُخروية، ووسائل استمالة النفوس عن جانب الشر إلى جانب الخير، فإن لم يحصلوا على ذلك كله فوزر العامة عليهم. ولا تنفعهم دعوى العجز، فإنهم ينفقون من أزمانهم في القيل والقال، والبحث فى الألفاظ والأقوال، ما كان يكفيهم أن يكونوا بحار علم، وأعلام هُدى ورُشد، فليطلبوا العلم من سُبُله التى قام عليها السَلَف الصالح، والله كفيل أن يمدهم بمعونته، أما وقد انقطعوا إلى ما يعجزهم عن القيام بأمره، فلن يقبل الله لهم عذراً، بل فليتربصوا حتى يأتى أمر الله.

"لو قضى الزمان بأن يكون من وسائل التمكن من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واشتغال الناس بالحق عن الباطل، وبالطيب عن الخبيث أن يضرب الإنسان فى الأرض ويمسحها بالطول والعرض، وأن يتعلم اللُّغات الأجنبية، ليقف على ما فيها مما ينفعه فيستعمله، وما يخشى ضرره على قومه فيدمغه، لوجب على أهل العلم أن يأخذوا من ذلك بما يستطيعون، ولهم فى سَلَف الأُمة من القرون الأولى إلى نهاية القرن الرابع من الهجرة أحسن أُسوة، وأفضل قدوة، وكل ما يُهوِّنون به على أنفسهم مما يخالف ذلك فإنما هى وساوس شيطان. يشغلهم بها عن النظر فى معانى القرآن، ويحرمهم من التعرض لرحمة الرحمن".

ومثلاً عند قوله تعالى فى الآية [13] من سورة الانفطار: {إِنَّ ?لأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} .. نراه يوضح معنى البِّر وما يكون به الإنسان من الأبرار، ثم يقول: "فلا يُعَد الشخص بَرا ولا باراً حتى يكون للناس من كسبه ومن نفسه نصيب فلا يغترَّن أُولئك الكسالى الخاملون، الذين يظنون أنهم يدركون مقام الأبرار بركتعات من الخشية خاليات، وبتسبيحات وتكبيرات وتحميدات ملفوظات غير معقولات، وصيحات غير لائقات بأهل المروءة من المؤمنين والمؤمنات، ثم بصوم أيام معدودات، لا يجتنب فيها إيذاء كثير من المخلوقات، مع عدم مبالاة الواحد منهم بشأن الدين قام أم أسقط، ارتفع أو انحط. ومع حرصه وطمعه لما فى أيدى الناس، واعتقاده الاستحقاق لما عندهم، لا لشىء سوى أنهم عاملون فى كسب المال وهو غير عامل، وهم يجرون على سُنَّة الحق وهو مستمسك بسُنَّة الباطل، وهم يتجملون بحلية العمل موهو منها عاطل، فهؤلاء ليسوا من الأبرار، بل يجدر بهم أن يكونوا من الفُجَّار".

ومثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى في أول سورة العاديات: {وَ?لْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَ?لمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَ?لْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} .. نجده يقول: "وكان فى هذه الآيات القارعات، وفى تخصيص الخيل بالذكر فى قوله: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ?سْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ?لْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ?للَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، وفيما ورد فى الأحاديث التى لا تكاد تُحصر ما يحمل كل فرد من رجال المسلمين على أن يكون فى مقدمة فرسان الأرض مهارة فى ركوب الخيل، ويبعث القادرين منهم على قنية الخيل على التنافس فى عقائلها، وأن يكون فن السباق عندهم يسبق بقية الفنون إتقاناً، أفليس من أعجب العجب عندهم أن ترى أُمماً هذا كتابها قد أهملت شأن الخيل والفروسية، إلى أن صار يُشار إلى راكبيها بينهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير