ويؤكد ذلك الدكتور صبحي الصالح فيقول:"ومن المحقق أن العالم غالبا تصحبه قرينة تمنع بقاءه على عمومه نحو {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله}. فلا يراد من أهل المدينة والأعراب إلا القادرون على الجهاد، أما العجزة فلا يشملهم التعبير لأن العقل يقضي بخروجهم ".
وقد يحمل المطلق على المقيد كلفظ مسفوح في قوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير}، فلفظ مسفوحا "قيد لفظ الدم المطلق في قوله جد وعلا: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخزير}.
ومنه كذلك الجمع بين ما يتوهم أنه مختلف كالآيات التي تتحدث عن خلق آدم، ومنه كذلك حمل بعض القراءات على بعضها، مثال ذلك قراءة ابن مسعود -رضي الله عنه-: (أو يكون لك بيت من ذهب) المفسرة للفظ الزخرف في القراءة المشهورة: {أو يكون لك بيت من زخرف}. ومن القراءات ما يختلف زيادة ونقصانا، فتكون الزيادة في إحداها مفسرة ومبينة للقراءة الأخرى.
وهناك من العلماء من يرى أنها من أوجه القرآن. والبعض يرى أنها ليست قرآنا، بل هي من قبيل التفسير، إلا أنهم لا يختلفون في كونها مرجعا مهما من مراجع تفسير القرآن بالقرآن، وفي ذلك يقول الدكتور محمد حسين الذهبي: "ومما يؤيد أن القراءات مرجع مهم من مراجع تفسير القرآن بالقرآن ما روى عن مجاهد أنه قال: "لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود قبل أن أسأل ابن عباس ما احتجت أن أسأله عن كثير مما سألته عنه".
وهكذا يتضح لنا أن القرآن هو المصدر الأول للتفسير، وهو عمل يتميز بصفتين: بالأهمية والصعوبة. وتتمثل أهميته في أننا إذا توصلنا إلى استخراج تفسير قرآني للقرآن الكريم، فإن ذلك سيخلصنا من كثير من التناقضات التي نجدها في بعض التفاسير، كما أنه سيوقفنا على المعنى الحق للذكر الحكيم.
أما صعوبته فتكمن في تفرق الآيات التي يفسر بعضها بعضا مما يتطلب عملا دؤوبا من أجل جمعها ثم تصنيفها حسب الموضوعات ثم النظر فيها من حيث منطوق القرآن ومفهومه، ومجمله ومفصله، ومطلقه ومقيده، وعامه وخاصه.
ثانيا: السنة النبوية الشريفة:
يعتبر المصطفى -عليه الصلاة والسلام- أعلم البشر بكتاب الله تعالى جملة وتفصيلا، فقد وقف على معرفة مطلقة ومقيده، وعامه وخاصه، ومفهومه ومنطوقه، وحلاله وحرامه، ونهيه وأمره، وكان كلما أشكل عليه شيء من الذكر الحكيم راجع جبريل - عليه السلام- الذي يبلغه عن ربه ما يرفع الإشكال، ويوضح الغرض ويتم الحجة. ومن ثم يحق لنا أن نعتبر الرسول- عليه الصلاة والسلام - أول مفسر للذكر الحكيم، وقد فهم الصحابة -رضوان الله عليهم- ذلك فكانوا يراجعونه -عليه الصلاة والسلام- في كل ما أشكل عليهم فهمه من القرآن الكريم، حتى إننا لنجد في كتب الحديث المعتبرة بابا خاصا بالتفسير، وهو متضمن للكثير من التفسير المأثور عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم-مثال ذلك ما رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصلاة الوسطى صلاة العصر) ".
وبذلك أصبحت السنة -من أقواله وأفعاله وتقريراته -عليه الصلاة والسلام- مصدرا أساسيا من مصادر التفسير، فإذا "لم يستطع القارئ أن يفهم القرآن من القرآن، فإنه يتجه إلى السنة كما أسلفنا تحقيقا لقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}. وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (ألا إني أوتيت علم الكتاب، وأوتيت مثله معه) ".
والأخذ بالسنة في التفسير يحتاج إلى شيء من التفقه في علوم الحديث وذلك حتى يميز صحيحها من ضعيفها وموضوعها، وقد حذر العلماء من النقل عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بغير علم، لأن ذلك قد يوقعهم في الكذب عليه من غير أن يشعروا، ومثال تحذيراتهم ما أثبته الزركشي في البرهان حيث يقول:"وهذا هو الطراز الأول، لكن يجب الحذر من الضعيف فيه والموضوع، فإنه كثير، وإن سواد الأوراق سواد في القلب، قال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ثلاث كتب ليس لها أصول: المغازي والملاحم والتفسير. قال المحققون من أصحابه: ومراده أن الغالب أنها ليس لها أسانيد صحاح متصلة، ولا فقد صح من ذلك كثير".
أوجه بيان السنة للقرآن
يمكننا النظر إلى بيان السنة للقرآن الكريم من وجهين:
الأول:
¥