تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما يؤكد أن أهل السنة في تصنيفهم لمناهج التفسير لم يقتصروا على الأدوات المعرفية ولا على النظرة إلى طبيعة التفاسير التي بين أيدي الناس، بل تجاوزوها إلى اعتبار الأصول التي ينطلق منها المفسر، والمقاصد والأهداف التي يرمي إليها، ما نجده عندهم -وبالاخص عند ابن تيمية- من اعتبار بعض الكتب من التفسير المأثور تجوزا. بل قد لا يتحرجون من جعلها من التفسير على المذهب، لا لأنها تعتمد المعقول أساسا، ولكن لاعتمادها على أصول وقواعد غير التي يعتمدها أهل السنة في مباحثهم العقدية والشرعية بصفة عامة. وسنقف على ذلك بتفصيل عند حديثنا عن التفسير المأثور كما تصوره أهل السنة.

التفسير المأثور

إن كتاب ابن تيمية "مقدمة في أصول التفسير " يبين أن أهل السنة كانوا يفرقون بين المنهج والإتجاه، وإن لم يصرحوا بذلك. فهذا الكتاب ينقسم إلى قسمين: القسم الأول -وهو يشغل جل الكتاب- عبارة عن دراسة نظرية لأسباب الإختلاف في التفسير، مبينا أيها يتمثل منهج أهل السنة في التفسير ولا يحيد عنه أو يخالف هذا المنهج ويعارضه، وأيها ينتسب إلى منهج أهل السنة وتتخلله في بعض الأحيان سمات التفسير على المذهب. ومن ثم يمكننا أن نطلق على القسم الاول مصطلح المنهج، والقسم الثاني مصطلح الإتجاه.

فالمنهج هو تتبع الخطوات التي نصوا عليها في مصادرهم بحيث يبدأ بالكتاب، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة، فالتابعين. وهذه تعتبر بمثابة أصول يعتمدها المفسر الأثري في تفسيره ولا يتجاوزها إلى الرأي إلا بعد أن يستنفد الجهد في تفسير ما يروم تفسيره منها، فإن عجز جاز له عند ذلك الإجتهاد على القواعد التي بينوها وهي أن لا يعارض اجتهاده نصا صحيحا، أو يستند إلى نص صحيح. ومعنى ذلك أن النقل هو الأساس، والعقل إنما يوظف في التفسير "للتصديق والإذعان، وبيان تقريب المنقول من المعقول، وعدم المنافرة بينهما، فالعقل يكون شاهدا ولا يكون حاكما، ويكون مقررا مؤيدا، ولا يكون ناقضا رافضا، ويكون موضحا لما اشتمل عليه القرآن من أدلة ".

وأما الإتجاه النقلي وهو الذي اصطلح عليه بالتفسير المأثور فهو لا يعد أصلا ولا حجة في مجمله، بل هو التطور الطبيعي للمنهج النقلي. وتبدأ هذه المرحلة من تابعي التابعين، أي بدايات عهد التدوين، ودور المفسر الاثري - في هذه المرحلة - ليس قاصرا على ترديد أقوال السابقين، بل هو يقوم على دعامتين: الأولى صحيح المنقول، والثانية صريح المعقول.

المنهج النقلي:

وهناك نتساءل عن مفهوم النقل، فهل النقل هو الإقتصار على ترديد ما قاله السابقون أي السلف الصالح، أم النقل أوسع من ذلك بكثير؟

والواقع أن هذا يحتاج منا إلى تحديد مفهوم السلف، وبتضح لنا مما كتبه ابن تيمية وغيره أن السلف لا يحدد مفهومهم باعتبار القدم أو الحداثة، وإنما السلف هو التزام بمذهب وبمنهج واضح المعالم، هذا المنهج هدفه الأسمى هو الوصول إلى الحقيقة، من غير أن يكون للهوى أو المذهب، أو الرأي أدنى حذ فيها. ومن ثم نجد السلف هم الذين التزموا المنهج الذي وضعه القرآن الكريم في العقيدة والشريعة، والذي بينه الرسول إما بالسنة القولية أو الفعلية. ويتضح لنا ذلك من قول ابن تيمية: "فعلى كل مؤمن أن لا يتكلم في شيء من الدين إلا اتباعا لما جاء به الرسول، ولا يتقدم بين يديه، بل ينظر ما قال، فيكون قوله تبعا لقوله، وعلمه تبعا لأمره، فهكذا كان الصحابة ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين، فلهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله، ولا يؤسس دينا غير ما جاء به الرسول. وإذا أراد معرفة شيء من الدين والكلام فيه نظر فيما قاله الله والرسول، فمنه يتعلم، وبه يتكلم، وفيه ينظر ويتفكر، وبه يستدل، فهذا أصل أهل السنةّ".

ومن ثم فالسلفي هو من تمسك بالكتاب والسنة، ولم يعارضهما لا بمعقوله ولا بوجوده وذوقه. وبذلك يكون النقل أوسع مما فهم ومما حدد، وإلا فكيف سنفسر ما أثر عن الصحابة وعن التابعين - وهم خيار هذه الأمة بنص الحديث- فهل نعده تفسيرا أثريا، أم نعده من التفسير المعقول، أو باصطلاح ابن تيمية من التفسير على المذهب؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير