تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن النقل إذن هو ما وصل إلينا من كتاب وسنة، وأقوال الصحابة والتابعين، لأن هؤلاء لم يكن قصدهم معارضة الكتاب والسنة ولا اتباع الهوى كما أنهم لا يناقشوا الأمور والقضايا التي حسم فيها الحق -سبحانه-، أو بينها الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما أن منهجهم في الإجتهاد، والإستدلال والإستنباط لا يتعارض مع أهداف

ومقاصد القرآن أو الحديث. وفضلا عن ذلك فالأدوات المعرفية الموظفة في اجتهادهم هي أدوات متصلة بالنقل أكثر من اتصالها بالعقل. فهم قد استعانوا في تجلية بعض القضايا التي أجملها القرآن ولم تبينها السنة - والتي ظهرت الحاجة إلى تفسيرها بعد أن قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلم يكن أمامهم إلا أن يلبوا الحاجيات الوقتية -باللغة والشعر، وبأحوال العرب في الجاهلية، وبما سمعوه من أهل الكتاب مما لا يخالف الشرع.

وهنا نجد أنفسنا ملزمين بمناقشة رأيين:

الرأي الأول:

يدعى صاحبه أن التفسير بالمأثور لا يخرج عن دائرة أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة، أو الأخبار التي هي بمثابة أحاديث مرفوعة كأسباب النزول مثلا، وهذا نص قوله: "ولكن التفسير بالمأثور يبقى محتفظا بميزاته وحدوده ليشمل فيما يشمل ما كان بيانا لمناسبة نزلت فيها آية، أو توضيحا لمعنى مبهم بينه الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وغير هذا لا يعد من التفسير بالمأثور، حتى ولو روى من أعظم الصحابة واعلمهم. وليس معنى هذا أننا نقلل نم شأنهم رضي الله عنهم ... والذي أريد أن أقوله: إن التفسير بالمأثور ما لا مجال فيه إلا للسماع الثابت، إما في بيان مناسبة نزول،أو في توضيح مبهم بينه الرسول الكريم. أما ما كان ناشئا من معرفة باللغة، أو أخبار أهل الكتاب فلا ينبغي أن ندرجه ضمن التفسير بالمأثور، ولو أن ذلك قد تعارف عليه كثير من الناس فيما بعد. وبهذا نتبين أن دائرة التفسير بالمأثور ليست من الإتساع بحيث تشمل هذه الكثرة من الأقوال، المتفقة حينا والمتناقضة حينا آخر ".

وهذا رأي غريب، ولا يمكن أن نقبله، ذلك أنه يلغي أقوال كبار الصحابة بدعوى أن التفسير النقلي أو المأثور قد كثر فيه التناقض والإختلاف والتعارض بين الأقوال والآراء بسبب توسيع دائرة النقل، والواقع أنه قد أخطأ الطريق من جهتين:

1 - إن إلغاء أقوال الصحابة والتابعين من التفسير الأثري هو خسارة علمية جسيمة واختيار لأسهل الطرق وأبسطها، فضلا عن كونها عملية غير علمية. أما العمل الحق الذي يستحق كل إعجاب وتقدير فهو أن نخضع هذه الأقوال والآراء للدراسة العلمية الجادة على طريقة أهل الحديث، فنختار منها ما هو صحيح النسبة إلى الصحابة والتابعين ونترك ما عداها، مثل ما فعل علماء الحديث عندما أرادوا تدوين الحديث. فلم يقولوا: نتركه ونأخذ بالقرآن وحده لأنه هو الصحيح الورود قطعا، أما الحديث فقد اختلط فيه الصحيح بالضعيف والموضوع، وإنما كانت لهم همم أكبر من ذلك، فما كان منهم إلا أن عكفوا على دراسة الحديث من حيث المتن والسند، فاستخلصوا الأحاديث الصحيحة وأتبتوها، وتركوا الاحاديث الضعيفة والموضوعة، ونبهوا على مواطن العلة فيها.

2 - إن اختلاف الصحابة والتابعين وعموم السلف لم يكن اختلاف تعارض، بل كان اختلاف تنوع، كما أوضح ذلك ابن تيمية في "مقدمة في أصول التفسير "، وفي أكثر من موضع من فتاويه، كما نبه إلى ذلك غيره من علماء وأئمة أهل السنة.

ومن ثم فإن الطريق الصحيح هو ما أثبته أهل السنة من ضرورة اعتبار الصحابة والتابعين من المصادر الأساسية في الفسير، لأن قواعدهم المنهجية، واجتهاداتهم لا تتعارض مع القرآن أو السنة. وفي ذلك يقول ابن تيمية: "ولهذا كان معرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم خيرا وأنفع من معرفة أقوال المتأخرين وأعمالهم في جميع علوم الدين وأعماله، كالتفسير، وأصول الدين، وفروعه، والزهد، والعبادة، والأخلاق، والجهاد وغير ذلك. فإنهم أفضل ممن بعدهم كما دل عليه الكتاب والسنة، فالإقتداء بهم خير من الإقتداء بمن بعدهم، ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين، خير وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم. وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصوما، وإذا تنازعوا فالحق لا يخرج عنهم. فيمكن طلب الحق في بعض أقاويلهم،ولا يحكم بخطأ قول من أقوالهم حتى يعرف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير