تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

2 - أهل السنة ينظرون في القرآن وهم مسلمو القياد له، ويعتبرونه أميرا يتبع، ويحاولون الوصول إلى الحقيقة من خلاله. وأما تعامل المتكلمين والفلاسفة والصوفية مع القرآن فينقسم إلى قسمين:

أ- ينظرون في القرآن قصد البرهنة على أصولهم الفاسدة، فليس هناك تجرد للحقيقة، كما أن الموضوعية العلمية تكون غائبة تماما مما يضطرهم إلى التعسف في تأويل النصوص، وهو ما عبر عنه أهل السنة بلَي عنق النص.

ب- أما النصوص التي ليس لهم فيها حجة بل تتعارض بينا مع مقرراتهم وأصولهم، وتعذر عليهم تأويلها وفق ما يؤمنون به، فإنهم يحاولون أن يتناولوها لا لتوافق مذهبهم، ولكن حتى لا يجد فيها معارضهم حجة يعارضهم بها.

وهذا كله يوضح ان عملية تفسير القرأن الكريم عند هؤلاء القوم لم تكن عملية نزيهة ولا موضوعية ولا علمية، بل كانت عملية مغرضة -في اغلب الأحيان- تستهدف حمل النص على مقرراتهم وأصولهم التي يؤمنون بها.

3 - أهل السنة يعتبرون ما جاءت به الانبياء هو الحق الذي لا حق بعده، وكل ما دونه فهو باطل ووسوسة من الشيطان أما المتكلمة والفلاسفة فإنهم -خاصة الفلاسفة- يعتقدون بأن الأنبياء لم يأتوا بالحق، ويجوزون عليهم الكذب من أجل المصلحة. وهم بصفة عامة يرفعون من شأن العقل ويدعون بأن الحسن ما حسنه العقل والقبيح ما قبحه العقل، مما يجعل حكم العقل مقدما على حكم الشرع. وفي ذلك -لا محالة - إهدار للنص مهما ادعوا من أن المقصد ليس هو المفاضلة بين النقل والعقل، ولكن الواقع ولسان الحال ينطقان بذلك.

4 - أهل السنة وهم يفسرون القرآن الكريم لا يتجاوزون ظاهر اللغة إلى ما يسمى الآن بمعنى المعنى او المعنى الثاني، أو الباطن، بتعبير الصوفية والروافض وسائر غلاة الشيعة والزنادقة والملاحدة. أما المتكلمة والفلاسفة فهم يتركون ظاهر النص الواضح الدلالة الذي تعززه نصوص أخرى من القرآن أو من السنة النبوية، وهو الذي يوافق مقاصد الشريعة، ويتجاوزونه إلى المعنى الثاني او المعنى الباطن، بحيث يصرفون اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح من غير ما ضرورة تحوجهم إلى ذلك إلا التعسف ورجاء فك التعارض الحاصل بين النص القرآني وبين مقرراتهم ومعتقداتهم.

وهذا هو نفس ما توصلت إليه الدكتورة فوقية حسين، وهي بصدد بحثها المتعلق بالإمام الأشعري، حيث عقدت مقارنة بين المنهج السلفي والمنهج الإعتزالي في التفسير، وفي بحث القضايا العقدية بصفة عامة، فتبين لها أن: "أسلوب أهل الإعتزال لا يمكن أن يشترك مع وقفة السلف الصالح بحيث يتيسر استخراج موقف وسط بينهم، فكل منهما على طرف نقيض من الأخرى، فبينما ينطلق المعتزلة من أصول ذهنية، لا تلتزم بالمعاني الدينية، نجد السلف يشرعون من دلالة النص المنزل ويحرصون على استجلاء المعاني من كلمات الله تبارك وتعالى".

وقد أكدت ذلك في نصوص سابقة حيث أوضحت أن التأويل الصحيح لنصوص الخطاب القرآني هو الذي تمثله عملية تفسير السلف الصالح للنصوص المتشابهة، أي النصوص المشكلة التي اشكل معناها على الخواص، أو التي تحتمل أكثر من معنى -على ما سنبين مستقبلا- حيث واجهوا هذه النصوص كما هي من غير أن يفرضوا عليها أنساقا فكرية معينة، وعقائد ومللا ونيحلا قد تتعارض مع حقائق الدين الإسلامي التي اوضحتها الآيات المحكمات من الذكرالحكيم.

فهذا الموقف يبين لنا أن السلف الصالح كانوا يستقون معارفهم من القرآن والسنة، ويجعلون هواهم تبعا لما جاء به الرسول-صلى الله عليه وسلم- وهو غير الموقف الإعتزالي، أو الصوفي،أو الفلسفي الذي يواجه النص القرآني بأنساق فكرية، وأذواق ومواجيد، ويحاول أن يجعل القرآن ناطقا بها،ومعبرا عنها: "ولما كان التأويل الصحيح له أصول، فقد أبرزها رجال السلف الصالح وبينوها من خلال التطبيق، أي من خلال تناولهم للنصوص لبيان معانيها. وينطلق جميعهم من الوقفة التالية وهي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير