تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما الخطأ في المدلول فيتمثل في نفيهم للرؤية، وهي ثابتة بنص القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وفي ذلك يقول ابن كثير: "وقال آخرون من المعتزلة بمقتضى ما فهموه من الآيات أنه لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة. فخالفوا أهل السنة والجماعة في ذلك، مع ما ارتكبوه م الجهل بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله. أما الكتاب فقوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}، وقال تعالى عن الكافرين: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون}. قال الإمام الشافعي فدل هذا على أن المؤمنين لا يحجبون عنه تبارك وتعالى. وأما السنة فقد تواترت الأخبار عن أبي سعيد وأبي هريرة وأنس وجريج وصهيب وبلال، وغير واحد من الصحابة عن النبي، أن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة في العرصات، وفي روضات الجنات ".

وقد بين ابن ابي العز أن أحاديث الرؤية قد رواها نحو ثلاثين صحابيا، وعمل ابن خزيمة (ت 311هـ) على روايتها في مصنفه "كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل "قد وزع هذه الآحاديث على خمسة أبواب أولها: (باب ذكر البيان أن الله عز وجل ينظر إليه جميع المؤمنين يوم القيامة، برهم وفاجرهم وإن رغمت أنوف الجهمية المعطلة المنكرة لصفات خالقنا جل ذلكره). وأما الباب الخامس فقد خصصه للأحاديث التي تثبت رؤية الرسول -صلى الله عليه وسلم- لله رب العالمين، وعنونه ب (باب ذكر الأخبار الماثورة في إثبات رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم - خالقه). وكل هذه الأحاديث التي ذكرها ابن خزيمة (223هـ/311هـ) صريحة في أن المؤمنين سيرون الله تعالى يوم القيامة، وقد صادرتها مقولة نفي الرؤية عند المعتزلة وأسلافهم من جهمية وزنادقة.

ولم يقتصر الأمر على ما تأوله المعتزلة وغيرهم من الفرق الكلامية التي تؤمن بما جاء في القرآن الكريم، وبما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإن كانت مبتدعة، بل تطور الأمر تطورا خطيرا، بحيث أصبح تأويل القرآن يهدف إلى التحلل من الشعائر والشرائع، وتأويلها تاويلا باطنيا على نحو فعل القرامطة وهم من غلاة الشيعة: "فإنهم يدعون أن للقرآن والإسلام باطنا يخالف الظاهر فيقولون: "الصلاة" المأمور بها ليست هذه الصلاة، أو هذه الصلاة إنما يؤمر بها العامة. أما الخاصة فالصلاة في حقهم معرفة اسرارنا. و"الصيام" كتمان أسرارنا. و "الحج" السفر إلى زيارة شيوخنا المقدسين. ويقولون: إن "الجنة" للخاصة، هي التمتع في الدنيا باللذات، و"النار" هي التزام الشرائع والدخول تحت أثقالها، ويقولون: إن "الدابة" التي يخرجها الله للناس هي العالم الناطق بالعلم في كل وقت، وإن "إسرافيل" الذي ينفخ في الصور هو العالم الذي ينفخ بعلمه في القلوب حتى تحيا، و "جبريل " هو العقل الفعال الذي تفيض عنه الموجودات، و"القلم" هو العقل الأول الذي تزعم الفلاسفة أنه المبدع الأول".

كما أن تأويلاتهم الباطنة تهدف إلى النيل من صاحب الرسالة، والإزراء به -عليه الصلاة والسلام- وبأصحابه وأزواجه -رضوان الله عليهم أجمعين: "ثم إنه لسبب تطرف هؤلاء، وضلالهم دخلت الرافضة الإماءية ثم الفلاسفة ثم القرامطة وغيرهم في ما هو أبلغ نم ذلك، وتفاقم الأمر في الفلاسفة والقرامطة والرافضة، فإنهم فسروا القرآن بأنواع لا يقضي العالم منها عجبه، فتفسير الرافضة كقولهم: {تبت يدا أبي لهب} وهما أبو بكر وعمر، و {لئن أشركت ليحبطن عملك} أي بين أبي بكر وعمر وعلي في الخلافة، و {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} هي عائشة. و {قاتلوا أئمة الكفر} طلحة والزبير، و {مرج البحرين} علي وفاطمة، و {اللؤلؤ والمرجان} الحسن والحسين، {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} في علي بن أبي طالب، و {عم يتساءلون عن النبأ العظيم} علي بن أبي طالب، و {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} هو علي. ويذكرون الحديث الموضوع بإجماع أهل العلم، وهو تصدقه بخاتمه في الصلاة، وكذلك قوله: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} نزلت في علي لما أصيب بحمزة ".

كما عاب ابت تيمية على المفسرين التعسف في تفسير بعض آي الذكر الحكيم، وصرفها عن المعنى الظاهر المراد إلى معنى باطن مجاف للسياق القرآني: " ومما يقارب هذا- من بعض الوجوه- ما يذكره كثير من المفسرين في مثل قوله {الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار}، أن الصابرين رسول الله، والصادقين أبو بكر، والقانتين عمر، والمنفقين عثمان، والمستغفرين علي، وفي مثل قوله {محمد رسول الله والذين معه} أبو بكر، {أشداء على الكفار} عمر {رحماء بينهم} عثمان، {تراهم ركعا سجدا} علي. وأعجب من ذلك قول بعضهم {والتين} أبو بكر، {والزيتون} عمر، {وطور سينين} عثمان {وهذا البلد الأمين} علي، وأمثال هذه الخرافات التي تتضمن تارة تفسير اللفظ بما لا يدل عليه بحال، فإن هذه الألفاظ لا تدل على هؤلاء الأشخاص".

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير