تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونمثل للخطأ في الدليل والمدلول في تفسير القرآن الكريم بتفسيرهم لآيات الصفات نحو تفسير المعتزلة لقوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}. فقد فسروها بما يوافق مقرراتهم وهي نفي الصفات -لاعتقادهم أن ذلك هو التنزيه الشامل والكامل لله تعالى - وترتب عن ذلك قولهم بنفي الرؤية وذلك بأنهم تساءلوا عن الكيفية التي تتم بها الرؤية، فلكي تتم الرؤية لابد وأن يكون هناك رائي ومرئي، ومسافة بينهما، وشعاع ينطلق من المرئي. إذن فالرؤية ستتم في مكان وزمان، وذلك يسقطنا في التجسيم المجافي لمفهوم التوحيد الخالص. وقد دفعهم هذا الامر إلى تأويل آية الرؤية السابقة الذكر، فقالوا إن، "ناظرة" معناها منتظرة نعم ربها، وراجية فضله ونواله، وراغبة في عطائه وكرمه، ومن ذلك ما جاء في تفسير "الكشاف" لجار الله الزمخشري (ت 528هـ): "الوجه عبارة عن الجملة، والناضرة من نظرة النعيم (لى ربها ناظرة) تنظر إلى ربها خاصة لا تنظر إلى غيره، وهذا معنى تقديم المفعول. ألا ترى إلى قوله: {إلى ربك يومئذ المستقر"، "إلى ربك يومئذ المساق"، "إلى الله تصير الأمور"، "وإلى الله المصير"، " وإليه ترجعون"، "عليه توكلت وإليه أنيب"، كيف دل فيها التقديم على معنى الإختصاص. معلوم أنهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر، ولا تدخل تحت العدد في محشر يجتمع فيه الخلائق كلهم، فإن المؤمنين نظارة ذلك اليوم، لأنهم الآمنون الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون فاختصاصه والذي يصح معه أن يكون من قول الناس أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي تريد معنى التوقع والرجاء. ومنه قول القائل:

وإذا نظرت إليك من ملك ** والبحر دونك زدتني نعما

... والمعنى أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه".

وقد بين أهل السنة خطأ المعتزلة -وغيرهم من المتكلمة - في تفسير هذه الآية المدلول، وذلك من جانبين:

1 - الجانب الأول هو ما تنبه إليه ابن المنير (ت683هـ) في كتابه "الإنتصاف" - الذي تعقب فيه ما في تفسير الزمخشري من اعتزال - حيث بين أن تقديم المفعول في آية الرؤية يفيد الحصر فعلا، ولكنه لا يقوم دليلا أو حجة على انتقاء الرؤية، وهذا نص كلامه: "قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} قال: الوجوه كناية عن الجملة، زقدم {إلى ربها} ليفيد الحصر إلخ. قال أحمد ما أقصر لسانه عند هذه الآية، فكم له يدندن ويطيل في جحد الرؤية، ويشقق القباء، ويكثر ويتعمقه. فلما فغرت هذه الآية فاه صنع في مصادمتها بالإستدلال على أنه لو كان المراد الرؤية لما انحصرت بتقديم المفعول لأنها حينئذ غير منحصرة على تقدير رؤية الله تعالى، وما يعلم أن المتمتع برؤية جمال وجه الله تعالى لا يصرف عنه طرفه ولا يؤثر عليه غيره، ولا يعدل به عز وعلا منظورا سواه، وحقيق له أن يحصر رؤيته إلى من ليس كمثله شيء، ونحن نشاهد العاشق في الدنيا إذا أظفرته برؤية محبوبه لم يصرف عنه لحظة ولم يؤثر عليه، فكيف بالمحب لله عز وجل إذا أحظاه النظر إلى وجهه الكريم".

2 - أما الجانب الثاني فقد تكفل به ابن أبي العز الحنفي (731هـ/792هـ) وذلك في رده على المعتزلة الذين تأولوا (ناظرة) في الآية السالفة الذكر، بمعنى منتظرة، حيث استقصى المعاني اللغوية السياقية لمادة "نظر" ليثبت أن "نظر" إذا جاءت بعدها "إلى" فهي تفيد الرؤية، ولا معنى لها غير ذلك في هذا السياق: "إن النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته وتعديه بنفسه فإن عدى بنفسه فمعناه: التوقف والإنتصار: {انظرونا نقتبس من نوركم} الحديد: 13. وإن عدى ب "في" فمعناه: التفكر والإعتبار، كقوله {أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض} الأعراف: 184. وإن عدى ب "إلى" فمعناه: المعاينة بالأبصار، كقوله تعالى: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر} الأنعام: 99 فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر؟ ".

وقال في نص سابق مؤكذا هذه الحقيقة:"وإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله، في هذه الآية،وتعديته بأداة "إلى" الصريحة في

نظر العين، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلافه حقيقة موضوعة صريحة في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير