ج- اعتناق مذهب وحدة الوجود والحلول (2)، وإن كان ابن تيمية -رحمه الله - يرى أن القول بوحدة الوجود أشد افتراء وإلحاد، وأعظم كفرا من القول بالحلول والإتحاد: "إن القائلين بأن وجود الخالق هو وجود المخلوق هم أعظم افتراء ممن يقول إنه يحل فيه. وهؤلاء يجهلون من يقول بالحلول أو يقول بالإتحاد، وهو أن الخالق اتحد مع المخلوق، فإن هذا إنما يكون إذا كان شيئان متباينان، ثم اتحد أحدهما بالآخر، كما يقول النصارى من اتحاد اللاهوت مع الناسوت. وهذا إنما يقال في شيء معين، وهؤلاء هندهم ما ثم وجود لغيره حتى يتحد مع وجوده، وهم من أعظم الناس تناقضا، فإنهم يقولون ما ثم غير ولا سوى، تقول
السبعينية (1) ليس إلا الله بدل قول المسلمين لا إلا إلا الله ... " (2).
وقد ناقش ابن تيمية -رحمه الله- الصوفية القائلين بوحدة الوجود، والآخرين المعتنقين نظرية الإتحاد والحلول، مناقشة عقلية صرفة (3)، بين فيها تناقضهم، والتباس الأمر عليهم في ما يخص الواحد بالنوع، والواحد بالعين، أي أنهم لم يفرقوا بين العالم والله حين جعلوهما شيئا واحدا، في حين هناك وجودان:
* "واجب الوجود: وهو ما كان وجوده لذاته: أزلي أبدي.
* ممكن الوجود: وهو ما وجد لسبب: محدث فان.
وهذا يعني (اثنينية الوجود) أي (الله والعالم). فالله خالق والعالم مخلوق، والله مدبر، والعالم مدبر. وليس الله حالا في العالم وإنما هو خالقه ومدبره، والله بيده الخير والشر يثيب الناس ويعاقبهم جزاء لما كانوا يعملون. أما مذهب الحلول فيرى أن الله والعالم امتزجا، وأن الله والقوى الداخلة الفاعلة في العالم مترادفان" (4).
كما ناقشهم مناقشة نصية تستند إلى الكتاب والسنة (5)، فاقام
الحجة على فساد مذهبهم، وعلى ضلالهم بالدليل العقلي والنقلي.
د- التحلل من الشعائر والشرائع، وهي نتيجة طبيعية لقولهم بوحدة الوجود ذلك أن الله -عندهم- هو الوجود، والوجود هو الله، فليس هناك تفريق بين واجب الوجود وممكن الوجود، فمن سيكلف من؟ الله سيكلف نفسه أم غيره (1)؟ -تعالى ربنا على ذلك علوا كبيرا - وفي ذلك يقول ابن تيمية -رحمه الله- "وكثير من أهل النسك، والعبادة، والعلم، والنظر ممن سلك طريق بعض الصوفية والفقراء، وبعض أهل الكلام والفلسفة، يسلك مسلك الباطنية في بعض الأمور لا في جميعها، حتى يرى بعضهم سقوط الصلاة عن بعض الخواص، أو حل الخمر وغيرها من المحرمات لهم، أو أن لبعضهم طريقا إلى الله عز وجل غير متابعة الرسول. وقد يحتج بعضهم بقصة موسى والخضر، ويظنون أن الخضر خرج عن الشريعة، فيجوز لغيره من الأولياء ما يجوز له من الخروج عن الشريعة. وهم في هذا ضالون .. " (2).
هـ- التفريق بين الحقيقة والشريعة: وأظن أن التفريق بين الحقيقة والشريعة مترتب عن نظريتهم في المعرفة، القائمة على الذوق والوجد والمكاشفة، مما دفعهم إلى التفريق بين ظاهر القرآن وباطنه. وهو لعمري مرادف لتفريقهم بين الحقيقة والشريعة، فالظاهر هو الشريعة، وهو للمحجوبين، أي للعوام وهم الذين لم يسلكوا طريقهم، والباطن هو الحقيقة، وهي للخواص أي الشيوخ أرباب الطرق، والمريدين، ولا سبيل إلى الوصول إليها إلا عن طريق الذوق والوجد والمكاشفة، أي أنها معرفة ذاتية ليست فيها وساطة. ومن ثم فالصوفي يعتقد أنه يدرك حقائق الأمور لأنه اطلع عليها مكاشفة، فتمت له المعرفة من المصدر والمعين مباشرة، وبغير وسائط.أما غيرهم أو من يسمونهم بالمحجوبين، فهؤلاء ليس لهم إلا ظاهر النصوص، ولم يرقوا إلى مستوى التلقي المباشر، بل هم عالة على الأنبياء والرسل. وفي ذلك يقول ابن تيمية -رحمه الله - وهؤلاء كلهم يدعون على الحقيقة، ويقولون: الحقيقة لون، والشريعة لون آخر، ويجمعهم شيئان: أن لهم تصرفا وكشفا خارجا عما للعامة، وأنهم معرضون عن وزن ذلك بالكتاب والسنة، وتحكيم الرسول في ذلك. فهم بمنزلة الملوك الذين لهم ملك يسوسونه بغير أمر الله ورسوله، لكن الملوك لا يقول أحدهم إن الله أمرني بذلك، ولا إني ولي الله، ولا إن لي مادة من الله خارجة عن الرسول، ولا إن الرسل لم تبعث إلى مثلي ... " (1).
الفرق بين التفسير الصوفي النظري، والتفسير الصوفي الإشاري
لما كان التصوف ينقسم إلى قسمين -كما أسلفنا- وهما:
1 - التصوف العملي.
2 - التصوف النظري.
¥