تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقول الرازي: " إن المعصية منافية للأمر ومناقضة له، فكذلك أمرته ففسق، يدل على أن المأمور به شئ غير الفسق؛ لأن الفسق عبارة عن الإتيان بضد المأمور به، فكونه فسقا ينافي كونه مأمورا به، كما أن كونها معصية ينافي كونها مأمورا بها، فوجب أن يدل هذا اللفظ على أن المأمور به ليس بفسق ".

ــــــــــــ

(1) انظر: روح المعاني: 5/ 43.

(2) زاد المسير: 5/ 15.


=وأما قوله في الوجه الرابع: "إنه سبحانه جعل سبب هلاك القرية أمره المذكور، ومن المعلوم أن أمره بالطاعة والتوحيد لا يصلح أن يكون سببا للهلاك، بل هو سبب النجاة والفوز". فمردود من كلامه الذي في تكملة هذا الوجه الذي قال فيه: " فإن قيل: أمره بالطاعة مع الفسق هو سبب الهلاك " ثم رد على هذا القول، فهذا صحيح أن الأمر بالطاعة وحدها لا يصلح أن يكون سببا للهلاك، بل هناك سبب آخر مع الأمر بالطاعة هو سبب الهلاك، بعد الأمر بها، ألا وهو الفسق. أمرهم بالطاعة ففسقوا.

ويضاف إلى ما سبق سبب آخر ذكره ابن الجوزي قال فيه: " في سبب إرادته لذلك ـ يعني: إهلاك القرية ـ قولان:
- الأول: ما سبق لهم في قضائه من الشقاء، والثاني: عنادهم الأنبياء، وتكذيبهم إياهم " (1)
- ولا يبطل هذا السبب بالوجه الخامس الذي ذكره وهو:" أن الأمر بالطاعة لا يختص بالمترفين، بل هو سبحانه يأمر بطاعته، واتباع رسله المترفين وغيرهم، فلا يصح تخصيص الأمر بالطاعة بالمترفين".
فهذا مردود بتخصيص المترفين بالذكر؛ لأنهم الرؤساء، ومن عداهم تبع لهم (2)؛ ولأنهم الأصول في الخطاب والباقي أتباع لهم (3)؛ ولأنهم أئمة الفسق ورؤساء الضلال وما وقع من سواهم باتباعهم؛ ولأن توجه الأمر إليهم آكد (4).
أما قوله في الوجه السادس:" إن الأمر لو كان بالطاعة، لكان هو نفس إرسال رسله إليهم، فمعلوم أنه لا يحسن أن يقال: أرسلنا رسلنا إلى مترفيها ففسقوا فيها، لأن الإرسال لو كان إلى المترفين؛ لقال من عداهم: نحن لم يرسل إلينا ". فمردود بما سبق من الرد على الوجه الخامس بأن المترفين هم الأصول في الخطاب، والباقي أتباع لهم، وأنهم هم الرؤساء ومن عداهم تبع لهم.
ثم إن كثيرا من المفسرين الذين قالوا بتقدير: (أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا) قالوا: ليس المراد بالإرادة تحققها بالفعل، إذ لا يتخلف عنها المراد، ولا الإرادة الأزلية المتعلقة بوقوع المراد في وقته المقدر له، إذ لا يقارنه الجزاء الآتي، بل دنو وقتها.
أما قوله في الوجه السابع:" إن إرادة الله سبحانه لإهلاك القرية إنما تكون بعد إرسال الرسل إليهم، وتكذيبهم، وإلا فقبل ذلك هو لا يريد إهلاكهم؛ لأنهم معذورون بغفلتهم وعدم بلوغ الرسالة إليهم ".
فقوله هذا: صحيح ولا يعارض القول بتقدير: (أمرناهم بالطاعة) ثم فسقوا فخرجوا عن الطاعة؛ لأن الذي يأمرهم بالطاعة هم الرسل.
إذاً: فإرادة الله سبحانه لإهلاك القرية لا تكون إلا بعد إرسال الرسل إليهم وتكذيبهم، فأين التعارض؟
فهذه هي الردود على الوجوه التي عارض فيها (ابن القيم) قول جمهور المفسرين بأن المراد بالأمر الإلهي (الأمر بالطاعة).
وكلها كما رأيت: ليس فيها دليل على قوله: بأن الأمر في الآية: أمر قدري كوني.

ــــــــــــــــ
(1) انظر: زاد المسير: 5/ 15
(2) انظر: إرشاد العقل السليم: 3/ 317.
(3) انظر: روح المعاني: 5/ 43.
(4) انظر إرشاد العقل السليم: 3/ 316، وروح المعاني: 5/ 42.

ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[30 Nov 2009, 12:40 ص]ـ
الأخوة الكرام،

رأيت أن أبسِّط وأختصر فأقول:
قولنا: أمرته فقام، تعني أمرته بالقيام فقام. ولكن هذا لا يصح لغة في قولنا: أمرته ففسق، لأن المعنى: أمرته فعصى الأمر وخرج عن الطاعة. وعليه نقول:
إذا أراد الله أن يهلك مجتمعاً لتوافر أسباب الهلاك لم يهلكه حتى ينذره الإنذار الأخير، ويكون هذا الإنذار على لسان الرسل والأنبياء، واليوم على ألسنة العلماء العاملين. ويكون الإنذار بإصدار الأمر بالاستقامة فيكون الخروج على الأوامر فيحق القول. (وقد أَعذر من أنذر): أي من أنذر أزال العذر.
وفي الحقيقة لا داعي للتقدير، لأن الآية تنص على أن الله يأمرهم فيخرجون على الأمر. ومن هنا لا داعي للتقدير لأنهم يخرجون على الأمر الإلهي. فلماذا نقدّر أنه يأمرهم بالطاعة، والطاعة في حقيقتها الاستجابة للأمر الإلهي. وهم هنا عصوا الأمر بل خرجوا عليه (فسقوا).

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[27 Jan 2010, 08:12 ص]ـ
الأخوة الكرام،

رأيت أن أبسِّط وأختصر فأقول:
قولنا: أمرته فقام، تعني أمرته بالقيام فقام. ولكن هذا لا يصح لغة في قولنا: أمرته ففسق، لأن المعنى: أمرته فعصى الأمر وخرج عن الطاعة. وعليه نقول:
إذا أراد الله أن يهلك مجتمعاً لتوافر أسباب الهلاك لم يهلكه حتى ينذره الإنذار الأخير، ويكون هذا الإنذار على لسان الرسل والأنبياء، واليوم على ألسنة العلماء العاملين. ويكون الإنذار بإصدار الأمر بالاستقامة فيكون الخروج على الأوامر فيحق القول. (وقد أَعذر من أنذر): أي من أنذر أزال العذر.
وفي الحقيقة لا داعي للتقدير، لأن الآية تنص على أن الله يأمرهم فيخرجون على الأمر. ومن هنا لا داعي للتقدير لأنهم يخرجون على الأمر الإلهي. فلماذا نقدّر أنه يأمرهم بالطاعة، والطاعة في حقيقتها الاستجابة للأمر الإلهي. وهم هنا عصوا الأمر بل خرجوا عليه (فسقوا).

الحاجة للتقدير أخي الكريم نشأت من عدم الفهم الصحيح للآية؛ حيث ظن بعض الناظرين في الآية أن الله أمر المترفين بالفسق، وهذا وارد.
ولو لم يحصل الإشكال لما فصّل المفسرون في معنى الآية.

والله أعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير