تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأخالف ابن القيم في ترجيحه الذي رجحه والقائل: بأن الأمر في الآية أمر قدري كوني؛ وذلك للأسباب التالية:-

1 - القول بأن معنى:"أمرنا مترفيها" أي "أمرناهم بالطاعة" أو ما في معناها، هو قول جمهور المفسرين مثل: ابن عباس، وسعيد بن جبير، والطبري، والرازي، والشوكاني، والألوسي، وأبي السعود وغيرهم.

2 - أن القول بهذا المعنى هو الأقرب لفهم الآية والمراد منها؛ لأن جميع أوامر الله تعالى في القرآن الكريم هي أوامر: بطاعته وعبادته والإيمان به والأعمال الصالحة والخيرات، وفي نفس الوقت لم نجد آية واحدة أمر الله تعالى فيها: بالفسق أو المعصية أو الفحشاء؛ كي نقول بأن الأمر هو أمر بالفسق كما قال (الزمخشري) ولو بالمجاز كما ذكر.

وقد رد الشوكاني على الزمخشري قوله وما استدل به. بقوله:

" وهو معارَض بمثل قول القائل: أمرته فعصاني، فإن كل من عرف اللغة العربية يفهم من هذا أن المأمور به شئ غير الفسق؛ لأن الفسق عبارة عن الإتيان بضد المأمور به، فكونه فسقاً ينافي كونه مأموراً به ويناقضه " (1).

وقد نفى الله سبحانه وتعالى عن نفسه أن يأمر بالفحشاء، وهي من أمور الفسق والخروج عن طاعة الله، قال تعالى: "قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء ... " (الأعراف /28).

3 - وأما اختياري وترجيحي للقول الثاني الذي قال بأن معنى "أمرنا مترفيها": جعلناهم أمراء، فهو مما تحتمله القراءة بالتخفيف لغة، وتؤكده قراءة "أمَّرنا" بالتشديد، مع أن قراءة التخفيف تشمل المعنيين اللذين اخترتهما، بالإضافة إلى معنى ثالث وهو: أكثرنا مترفيها؛ ولذلك اختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة العامة، وهي القراءة بالتخفيف والقصر "أمرنا"؛ لأن المعاني الثلاثة تجتمع فيها: الأمر، الإمارة، والكثرة، كما قال أبو عبيد (2).

4 - أما القول بأن معناها: "بعثنا مستكبريها" على قراءة أُبي بن كعب، فلم أجد ذكر تلك القراءة، وذلك المعنى إلا عند القرطبي والثعالبي، وأما غيرهما من المفسرين فلم يتعرضوا لذكرها، فتبقى مرجوحة عما رجحناه من القولين.

5 - أما قراءة "آمرنا" بالمد فمعناها: (أكثرنا)، وقد شملته القراءة الأولى التي رجحناها "أمرنا".

6 - أما قول (ابن القيم) بأن الأمر في الآية أمر كوني قدري مستدلا على ذلك بسبعة وجوه، فتلك الوجوه ليس فيها دليلا على ما رجحه، وإنما كلها رد على القول الذي رجحه جمهور المفسرين، والقائل: بأن في الآية إضمارا تقديره: (أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا فيها).

ــــــــــــ

(1) فتح القدير: 3/ 214.

(2) انظر: الجامع لأحكام القرآن: 5/ 153.


= فقوله في الوجه الأول: "إن الإضمار على خلاف الأصل، فلا يصار إليه؛ إلا إذا لم يمكن تصحيح الكلام بدونه " فمردود من نفس كلامه، حيث إن الكلام بدون هذا التقدير لا يستقيم، ومما يدل على تقدير الطاعة أن (فسق، وعصى) متقاربان بحسب اللغة، وإن خص الفسق في الشرع بمعصية خاصة؛ لأن ذكر الضد يدل على الضد، كما أن ذكر النظير يدل على النظير، وبالتالي فذكر الفسق والمعصية يدل على تقدير الطاعة (1).
وأما قوله في الوجه الثاني: "إن ذلك يستلزم إضمارين: الأول: أمرناهم بطاعتنا، والثاني: فخالفونا أوعصونا ".
فأقول: إنه لا يستلزم إضمارين بالضرورة، بل يكفي إضمار واحد ليفهم الكلام، وهو (أمرناهم بطاعتنا)، أما الإضمار الثاني فلا يلزم؛ لأن الفسق مخالف للطاعة وضدها؛ فلا يحتاج الى تقدير (فخالفونا).
وأما قوله في الوجه الثالث:" إن ما بعد الفاء في مثل ذلك التركيب هو المأمور به نفسه، كقولك: أمرته ففعل، وأمرته فقام، وأمرته فركب لايفهم المخاطب غير هذا ".
فهذا من ابن القيم مثل استدلال الزمخشري في قوله: أمرهم بالفسق، مع الفارق، وهو أن ابن القيم قد رآى: أنه أمر قدري كوني، لاديني شرعي، في حين الزمخشري يقول: إنه مجاز.
ولكن، وإن كان مثالهما في اللغة صحيحا، إلا إنه لا يمنع صحة المثال الذي ذكره أهل اللغة أيضا مثل قول الزجاج:" ومثله في الكلام: أمرتك فعصيتني، فقدعلم أن المعصية مخالفة الأمر" (2).
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير