تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يلاحظه من خارج القطار من فوق جبل أو شاهق – أي في إطار مرجعي مختلف. فالراكب الذي أطلق الرصاصة يجزم بأن سرعة الرصاصة ثابتة وأما الملاحظ الذي يشاهد الحدث من خارج القطار فيجزم بأن سرعة الرصاصة تجاوزت سرعتها الطبيعية بسبب إضافة سرعتها إلى سرعة القطار الذي يسير في ذات الاتجاه، فتصير السرعة سرعة مركبة. ومنشأ الخلاف هنا هو أن أحدهما متحد مع الحدث في إطاره المرجعي والآخر منفصل عن الحدث في إطار مرجعي مباين، ولذلك فالثاني يشاهد مالا يشاهده الأول.

وهكذا الأمر بالنسبة لحركة الشمس. فالعلماء المؤيدين للنموذج الأرضي يشترطون التواجد في إطار مرجعي منفصل عن المجموعة الشمسية بأسرها للوقوف على حقيقة حركتها ومن ثم الحكم عليها حساً بالإثبات أو النفي. وهذا الأمر غير متأت وتبقى الحقيقة الكونية مجهولة. أما الحقيقة الشرعية فظواهر النصوص دالة على حركة الشمس ولكنها لا تنفي حركة الأرض. والآيات والأحاديث دالة على ذلك أوضح دلالة، ولا يمنع أن يكون كل من الشمس والأرض يدوران حول بعضهما بحيث تتكامل سرعة دورانهما حول بعضهما في سرعة مركبة يظنها المشاهد على الأرض سرعة كوكب الأرض، وهو رأي لبعض علماء الفلك. يقول الفيلسوف والتر ستيس إنه: (ليس من الأصوب أن تقول إن الشمس تظل ساكنة، وإن الأرض تدور من حولها من أن تقول العكس. إلا أن كوبرنكس قد برهن على أنه من الأبسط رياضيٌّا أن نقول إن الشمس هي المركز، ومن ثم فلو أراد إنسان في يومنا الراهن أن "يشذّ" ويتفوه بأنه لا يزال يؤمن بأن الشمس تدور حول أرض ساكنة فلن يكون هناك من يستطيع أن يثبت أنه على خطأ).

والذي اضطرني لوضع هذه المقدمة أمر واحد: ألا وهو أننا لا نزال نجهل الكثير عن ما نعتقد في أذهاننا أننا قد بلغنا النهاية والغاية في إدراك حقيقته، مع أن هذه الأشياء هي المقدمات التي يترتب على كمال إدراكها صحة النتيجة العقلية الحاكمة على تلك القضية، ولكن كثير من الناس لفرط استجابتهم لبادي الرأي من أنفسهم يحكمون بالنتيجة قبل استصلاح المقدمات و اكتمالها، وقد قال الله تعالى (وكان الإنسان عجولا).

ثالثاً: حقيقة سجود الشمس: فباعتمادنا على الحساب وحده نحن نجهل حقيقة الواقع "الحسي" لحركة الشمس فصار عندنا الآن جهلين بحقيقة شيئين: جهل بحقيقة العرش الذي يحصل السجود تحته وجهل بحقيقة حركة الشمس الفاعلة للسجود. وبناءً على هاتين المقدمتين يقال: يكفي في سجود الشمس واستئذانها القول بأن عدم العلم ليس بدليل على العدم وهي قاعدة مشهورة وأكثر عمل الجهال على خلافها، فعدم الوقوف على حقيقة سجودها واستئذانها لا يلزم منه نفي إمكان السجود والاستئذان، ولذلك يقال لمن ارتاب: إذا أوضحت لنا حقيقة سجود الشمس والقمر والنجوم والشجر في قوله تعالى: (الم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب) نقول إذا استطعت أن توضح لنا حقيقة ذلك فانتقل إلى إيضاح حقيقة الأخص وهو سجود الشمس تحت العرش ذلك أن تفسير الأعم في الأغلب أيسر من تفسير الأخص لما يكتنف الأخص من التقييدات والتحرزات التي لا يتفطن لها كثير من أرباب العلوم فضلاً عن عوام الناس. فالجاهل يراها من المستحيلات الممتنعات، والأعلم منه يراها من المحارات الممكنات، والناس بين هؤلاء وهؤلاء درجات. والحق أن الله قد اختص كل مخلوق بسجود يناسب هيئته وخِلقته لا يشترك فيه مع غيره إلا بموجب الاشتراك اللفظي لا الاشتراك الفعلي الحقيقي المطابق للفعل والهيئة، وقد أخبرنا الله تعالى أن الشجر يسجد مع كونه أمام ناظرنا صباحاً ومساءً بل يقطف ثمره ويجلس في ظله ومع ذلك لا نقول الشجر لا يسجد. مع أن هذا أدعى للاستنكار لقرب الشجر منا وملامستنا له و رؤيتنا له على الدوام وأكلنا من ثمره. فدل هذا على جهل بني آدم بحقيقة سجود هذه المخلوقات و حقيقة تسبيحها لله عز وجل، قال تعالى (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) فحسم الخلاف وقطع الريب والجدال بنفي قدرتنا على إدراك حقيقة التسبيح، فيصبح السؤال عن ذلك من أشد التكلف. فإذا استقرت هذه المسألة في الأذهان انقطع المستشكل عن بحث ما وراء ذلك والخوض فيه إذ كيف يُتوصل إلى نتيجة صحيحة دون القطع بفهم حقيقة مقدمات

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير