تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القرآن فوق ما تحتمل، كقوله تعالى: «بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم. تدمر كل شيء بأمر ربها» باعتبارها ذات دلالة مستقبلية على توافر القنبلة النووية، وكقوله تعالى: «ويخلق ما لاتعلمون» على ان المراد بها وسائل النقل الحديثة، وقوله تعالى: «فيه شفاء للناس». على ان به علاج من الايدز والسرطان، الى ما هنالك من امثلة عجيبة، بعضها يشتط ليلوي اعناق الآيات القرانية تدليلا بها على جريان الحوادث الكونية، كما تناهى الى سمع الكثيرين من ان وقائع احداث 11 سبتمبر لها علاقة وطيدة بآيات سورة التوبة، وان نهاية دولة اسرائيل لها ارتباط وثيق بسورة الاسراء!!

صحيح ان ما توصل اليه العلم الحديث يعين الباحث الشرعي على فهم بعض مفردات القرآن كلفظة «البسط» لكن الخطأ بعينه يوم ان يقحم الباحث المعارف جلها في تضاعيف القرآن بحيث يتماشى معها موافقة كلما تغيرت نظرياتها من وقت الى وقت ومن مكان الى مكان، وهذا الذي حدث بالفعل عندما كفر قوم نعرفهم قديما وحديثا من قال بدوران الارض واستدارتها اعتمادا على ما ظنوه هم دلالة قرآنية قطعية وهي ليست كذلك.

انه لما كان النص القرآني يدعو الى التفكير المطلق وينهى عن التقييد والتبعية كان حريا بالمؤمنين به ان يجعلوه في منأى بعيد عن الحاقه بنظريات العلوم وكيفيات الكون، فالاخيرة ليست هي مناطات بحثه حتى تلصق به تبعا وتقييدا تارة وتلفيقا او توفيقا تارة اخرى. لقد كانت فضيلة القرآن الكبرى انه هدى العقل الى البحث والتعمق وقبول كل مستحدثات العلوم والمعارف الانسانية على اختلاف مشاربها ومن ثم سبرها وتحصيل الصالح منها، ولم تكن فضيلته قط باقعاد المؤمنين به واكتفائهم بما حووا في الازمان الغابرة مرددين دوما ان الاسلام هو الحل وان القران هو الدستور، معتقدين بذلك انهم قد حصلوا على جميع العلوم، بينما الحقيقة تقول انهم في مؤخرة الركب المعرفي، فأضحى القران بالنسة لهم دستورا «شعاراتيا» وهم من هم؟ الا انهم لا دستور لهم، فالذي يعجز عن استحداث دواء للأدواء المستعصية يلوذ بالقول ان القرآن فيه الشفاء، ومن لم يحمل طيلة حياته مناظير فلكية راح ينتشي بترائي الكون له من خلال النص القرآني!.

لقد شاع الطب بين المسلمين وتقدم تقدما هائلاً في الحضارة الاسلامية لما لم يكن الفقهاء يشيعون بين الناس ظاهرة المعالجة بالقرآن، وعُرف في حينها ومن بعدها اسماء لامعة على مستوى العالم اجمع، مثل ابي بكر الرازي، وابن سينا، وابن رشد، والزهراوي وغيرهم من المسلمين، وكتب هؤلاء انتشرت في العالم مثل (الحاوي) للرازي، و (القانون) لا بن سينا، و (الكليات) لابن رشد، و (التصريف لمن عجز عن التأليف) للزهراوي، بل وجدنا من علماء المسلمين الفقهاء من يجيد الطب، فابن رشد نفسه كان فقيهاً والف كتابه (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) في الفقه المقارن، والضروري في اصول الفقيه، وفخر الدين الرازي صاحب الكتب الشهيرة في التفسير والاصول وعلم الكلام وغيرها، ومع كل ذلك فقد قالوا عنهما: «كانت شهرتهما في علم الطب لا تقل عن شهرتهما في علوم الدين» وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى يعد من فقهاء الشافعية، وترجم له تاج الدين السبكي في كتاب (طبقات الشافعية) على انه احد فقهاء هذا المذهب، واليوم وياللاسف نجد الذي اتخذ القرآن دستوره في المعالجة العضوية هو من عامة المسلمين، جهلا بأحكام الشريعة فضلا عن احكام الطب، فلا هو ملك هذا ولا ذاك، وانما راح يتاجر باحدهما! وادعوك ايها القارئ العزيز لأن نتأمل جيدا حال اولئك الذن اشتهروا بمسمى (الراقي فلان) وما يكون منهم من اشاعة لاعمال هي في تاريخنا التشريعي لم تكن البتة من عمل الصحابة ولا من عمل سلف الامة في خير قرونها.

وان نحن عرجنا قليلا على الواقع السياسي الاسلامي القديم نجد ازمة التحكيم ممثلة نقطة البداية في مسار الانحدار المعرفي، وقد انقسم الناس ازاءها الى فرق كثيرة كلها ترفع القرآن اعلى رأسها وتدعي المحاكمة اليه، وتمسكت كل فرقة برأيها واستندت في تأييده الى آية من القرآن، كما انها كفرت الآخرين استناداً ايضاً الى اية من القرآن، وهكذا حدث تحريف لمعاني الآيات القرآنية التي استخدمت لتحقيق أهداف سياسية، او اغراض حزبية، وغابت عن الاذهان الى اليوم مقولة عمر بن الخطاب «فإن جادلوك فجادلهم بالسنة فإن القرآن حمّال وجوه» وظل جمع غفير من حامليه مزيفيه، حتى لما حارب الطهطاوي حديثا ما أسماه بالظاهرة الصوتية مناديا بضرورة استحداث تيار تجديدي احيائي ما لبثت دعوته تلك ان خفت صوتها دون ابواق «الشعاراتية» الذين اول ما حاربوا حاربوا الطهطاوي نفسه!! وهو القائل: «انه لم تخرج احكام السياسة عن المذاهب الشرعية، لأنها اصل وجميع مذاهب السياسات عنها بمنزلة الفرع «الا ان الذين ادانوه قد ركبوا شططا وكسبوا تعسا.

ورغم كل ذلك فإن الله جل في علاه قد قال بعد انقضاء قصص القوم الغابرين: «تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم «فنحن لسنا مسؤولين ابدا عن تبعات اعمال غيرنا، كما اننا لسنا حائزين على فضلهم واجرهم، انما نحن نحن، علينا ان نكد ونشقى في سبيل التحصيل الدنيوي والمعرفي مطلقين العنان لحرية الفكر والتعبير والنظر، هذا اذا اردنا ان نجسد تعاليم القرآن واقعا فينا والا فسنبقى دهورا طويلة نردد جذلين: القرآن منهجنا، القرآن دستورنا، القرآن هو الحل .. ولا شيء من قرآننا يكون على ارض واقعنا!

المصدر ( http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20060907/Con2006090745537.htm)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير