1 - عبدالقاهر الجرجاني وتأثره بالقاضي عبدالجبار. وقد استغرق هذا الفصل من صفحة 485 إلى صفحة 531. ومما قاله في هذا الموضوع:
قال ص 506: (ثم أخذ عبدالقاهر بعيب معاصريه من العلماء الذين توهم أنهم فهموا النظم على خلاف ما يفهم، وأخذ ينقل آثارهم مبتورة، ويرد عليهم أقوالهم في غير تروٍّ ولا تؤدة، بل أخذ يكيل لهم التهم واحدة تلو الأخرى وهم منها براء كما سنبين .. ).
قال ص 508: (وبعد أن لخصنا وجه الإعجاز عند عبدالقاهر وعرفنا أنه لا يعد وجهاً له سوى النظم، وعرضنا بعض أقواله في ذلك نستسمح القارئ أن نعيد عليه في مقابل تلك النصوص نصوص القاضي عبدالجبار لنرى بالدليل، ونتأكد أن القاضي عبدالجبار كان هو المشعل الذي أضاء لعبدالقاهر الطريق، وكان هو الهادي الذي هداه السبيل، وهو رائد الفكرة التي بنى عليها عبدالقاهر نظريته في الإعجاز).
قال ص 508: (عرضنا لرأي عبدالقاهر ونظريته في الإعجاز، وصورنا نظرية عبدالجبار وما يراه فيه، ومن خلال المقارنة بين كلامهما السابق والمشار إليه، نجد أن الفرق بينهما ينحصر في الفرق بين الإجمال في الفكرة، والتفصيل فيها، وبين الإيجاز في العرض من جهة والإطناب والإيضاح فيه من جهة أخرى.
فعبدالجبار كان رائداً وسابقاً، وعبدالقاهر كان موضحاً ومبيناً).
قال ص 521: (إننا حين نعيد المبتور من النص السابق الذي تركه عبدالقاهر نرى أن عبدالجبار قصد بما قال نفس ما قصد عبدالقاهر من أن النظم هو عبارة عن معاني النحو، إلا أن عبدالقاهر كان جيد التوصيل فالتقط هذا وأعمل عقله وفنه وذوقه في كلام عبدالجبار، وخرج بنظريته المتكاملة التي نحمده عليها ويحمده كتاب العربية وعلماء البلاغة).
وقال ص 522: (ثم إن كلمة الضم عند عبدالجبار، أليست هي النظم عند عبدالقاهر؟
وليس مطلق الضم هو المقصود كما شوهه عبدالقاهر، وإنما المراد الضم على طريقة مخصوصة وهذه الطريقة المخصوصة حددها عبدالجبار وجعلها من جهات ثلاث: وضع الكلمة في اللغة، ثم موقعها من الإعراب، ثم موقعها في الجملة، أليست هذه هي معاني النحون عند عبدالقاهر؟ ... فنرى أن عبدالجبار ابتكر الفكرة وبدأ الطريق وأضاء المشعل، واستغل ذلك كله عبدالقاهر، وتلقف الفكرة وواصل السير، فتولى شرح ذلك وتفصيله، وضرب الأمثلة والاستشهاد بالشواهد) ...
ومن أراد التفصيل فعليه بكتاب الدكتور عبدالفتاح لاشين ففيه تفاصيل جيدة، حول هذا الموضوع.
وأختم مرة أخرى بشكر الأخت الباحثة روضة على إثارتها هذه المسألة البلاغية، وأود الإشارة إلى مسألة الأفكار وانتقالها وتطورها والزيادة عليها، وأخذ جوانب خفية منها والبناء عليها بناء جديداً لا يرى البعض فيه أي أثر للمأخذ الذي أخذت منه، وقد حفلت كتب السرقات الشعرية بأمثلة كثيرة لأخذ الشعراء بعضهم من بعض أخذاً خفياً دقيقاً باعترافهم هم، ومن أجمل ما قرأته في ذلك كتاب أبي الحسن الحاتمي (الموضحة في بيان سرقات المتنبي) ففيه فرائد بديعة من هذا الباب.
وهناك مسألة أخرى، وهي أن بعض الباحثين أثبت تأثر عبدالقاهر بعبدالجبار كالدكتور شوقي ضيف والدكتور أبو موسى وعبدالفتاح لاشين وغيرهم، وهناك من زعم أن عبدالقاهر أخذ نظرية النظم من أرسطو وهو طه حسين في مقدمته لكتاب نقد النثر الذي نسب خطأ لقدامة بن جعفر، وزعم محمد خلف الله أن الجرجاني تأثر بأرسطو ولكن بكتابه الشعر. وذهب الدكتور أحمد بدوي إلى أن الجرجاني تأثر في نظريته بالجاحظ، وذكر الدكتور بدوي طبانة أن فكرة النظم من اختراع أبي عبدالله محمد بن زيد الواسطي المتكلم المتوفى سنة 307هـ مع إن كتابه مفقود. فآراء المعاصرين مختلفة في هذه المسألة كما ترون. وعبدالقاهر الجرجاني نفسه يعترف بفضل السابقين في إظهار مزية النظم، وأنه هو المعتبر في تفاضل الكلام، غير أنه زاد عليهم بإكثاره من الأمثلة والشواهد حتى نسبت النظرية إليه.
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[30 Oct 2006, 09:51 ص]ـ
جزاك الله خيرا يا دكتور عبد الرحمن فقد سبقت بالفضل وأربيت لا فض فوك. وأود الإشارة إلى أن كتاب الدكتور لاشين من الكتب التي تستحق القراءة.
ـ[منصور مهران]ــــــــ[30 Oct 2006, 03:51 م]ـ
إلى أخي العالم الجليل الدكتور عبد الرحمن الشهري تحيتي وتشوقي للقائه، وبعد،
فمسألة اللقاء أو التلقي الذي ينسب إلى عبد القاهر الجرجاني من عبد العزيز الجرجاني، لا تثبت إلا بدليل، وقد نفاها فارق الزمن بين الرجلين، والفارق الكبير بين وفاتيهما كان مستند الذين نفوا هذا اللقاء أو هذا التلقي، وكنت كتبت شيئا من هذا يوم دارت المناقشة حول التفسير المنسوب إلى عبد القاهر، فالمسألة لا تزال في دائرة البحث عن دليل قاطع مع أن الأدلة النافية أوشكت أن تبلغ حد اليقين، والله الموفق والمعين.
ـ[روضة]ــــــــ[30 Oct 2006, 08:52 م]ـ
الدكتور الفاضل عبد الرحمن الشهري،
بارك الله فيكم على هذا الرد القيّم، فقد وجدت فيه ما يشفي الغليل ويجلّي الفكرة، وخاصة ما جاء في الفقرة الأولى، ففيها ما يحل الإشكال، وهو قولكم:
وقد ظهر لي مبالغة عبدالقاهر الجرجاني (ت471هـ) في الرد على ما قاله الهمذاني، وهذا الرد والتفنيد ليس دليلاً على عدم تأثره بالقاضي عبدالجبار الهمذاني؛ إذ إن الشأن في اقتباس الأفكار والنظريات فيه من الخفاء في أحيان كثيرة ما يصرف نظر الدارس عن التنبه له، أو الالتفات إليه. فقد يأخذ أحدهم الفكرة من خطأ فكرة لم يرتضها، ويكتشف من بين الخطأ صواباً كثيراً دله عليه الخطأ.
أما كتاب د. عبد الفتاح لا شين فقد بدأت بقراءته قبل سنوات لكني لم أكمله، وسأستأنف القراءة فيه قريباً إن شاء الله.
أكرر شكري لكم على إفادتكم وعمق نظرتكم. . . جزاكم الله خيراً.
¥