تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكنتُ أحبُّ أيضًا أن أُسَهِّل على قارئ كتابه، فأجعل في آخرِ الآياتِ المتتابعة التي انتهى من تفسيرها، مُلَخَّصًا يجمَعُ ما تفرَّق في عشراتٍ من الصفحاتِ. وذلك أني رأيتُ نفسي قديمًا، ورأيت المفسِّرين الذين نقلوا عَنْهُ، كانوا يقرأون القطعة من التفسير مفصولةً عمَّا قبلها، أو كانوا يقرأونه متفرِّقًا. وهذه القراءةُ، كما تبيِّن لي، كانتْ سببًا في كثيرٍ من الخَلْط في معرفة مُرَادِ الطبري، وفي نسبة أقوالٍ إليه لم يقلْها. لأنَّه لما خاف التكرار لطول الكتابِ، اقتصَر في بعض المواضِع على ما لاَ بُدَّ منه، ثقَةً منه بأنّه قد أبان فيما مضى من كتابه عن نهجه في تفسير الآيات المتصلة المعاني. والقارئ الملتمِس لمعنى آيةٍ من الآياتِ، ربَّما غَفَل عن هذا الترابُط بين الآية التي يقرؤها، والآيات التي سبقَ للطبري فيها بيانٌ يتّصل كل الاتصال ببيانه عن هذه الآية. ولكني حين بدأت أفعل ذلك، وجدت الأمر شاقًا عسيرًا، وأنه يحتاجُ إِلى تكرار بعضِ ما مضى، وإلى إِطالةٍ في البيانِ. وهذا شيءٌ يزيدُ التفسيرَ طولا وضخامة.

ولمَّا رأيتُ أن كثيرًا من العلماء كان يعيبُ على الطبري أنه حشَدَ في كتابِهِ كثيرًا من الرواية عن السالفين، الذين قرأوا الكُتُب، وذكروا في معاني القرآنِ ما ذكروا من الرواية عن أهل الكتابَيْن السالِفَيْن: التَّوراة والإنجيل - أحببتُ أن أكشف عن طريقة الطبري في الاستدلال بهذه الرواياتِ روايةً روايةً، وأبيّن كيف أخطأ الناسُ في فهم مقصده، وأنّه لم يَجْعل هذه الروايات قطُّ مهيمنةً على كتاب الله الذي لاَ يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه. وأحببتُ أن أبيّن عند كُلِّ روايةٍ مقالة الطبريّ في إِسنادِها، وأنه إسنادٌ لاَ تقوم به حُجَّةٌ في دين الله، ولا في تفسير كتابه، وأن استدلاله بها كان يقوم مقام الاستدلالِ بالشِّعر القديم، على فهم معنى كلمة، أو للدلالة على سياقِ جملة. وقد علقتُ في هذا الجزء 1: 454، 458 وغيرهما من المواضع تعليقًا يبينُ عن نهج للطبري في الاستدلال بهذه الآثار، وتركتُ التعليقَ في أماكنَ كثيرة جدًّا، اعتمادًا على هذا التعليق. ورأيتُ أن أدَعَ ذلك حتى أكتب كتابًا عن "الطبري المفسِّر" بعد الفراغ من طبع هذا التفسير. لأني رأيتُ هناكَ أشياء كثيرةً، ينبغي بيانُها، عن نهج الطبري في تفسيره. ورأيتني يجدّ لي كُلَّ يوم جديدٌ في معرفة نهجه، كلَّما زدتُ معرفةً بكتابه، وإلفًا لطريقته. فاسأل الله أن يعنيني أن أفردَ له كتابًا في الكلام عن أسلوبه في التفسير، مع بيان الحجّة في موضع موضعٍ، على ما تبيّن لي من أسلوبه فيه. ورحمَ الله أبا جعفر، فإنه، كما قال، كان حدَّث نفسه بهذا التفسيرِ وهو صبيٌّ، واستخار الله في عمله، وسأله العونَ على ما نواه، ثلاثَ سنين قبل أن يعمله، فأعانه الله سبحانه. ثم لما أراد أن يملي تفسيره قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدرُه؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة. فقالوا: هذا ممّا تفنَى فيه الأعمارُ قبل تمامه! فاختصره لهم في ثلاثة آلاف ورقةٍ. فكان هذا الاختصار سببًا في تركه البيانَ عمّا نجتهد نحنُ في بيانه عند كل آية. وهذا الاختصارُ بيّنٌ جدًّا لمن يتتبّع هذا التفسيرَ من أولِه إِلى آخره)

رحم الله الإمام الطبري، ورحم الله الأستاذ محمود شاكر، ورحم الله تلك الأعظم التي حملت العلم وبلغته بأمانة وصدق إلى الأمة، وجزاهم الله خيراً يجدونه عنده يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[24 Sep 2006, 01:13 ص]ـ

أخي الكريم أبا عبد الله

لقد أحدثت في قلبي الشجن، ويبدو أنك ستخرجني إلى ما لا أحبُّ، فأقول ـ طالبًا من الله الإخلاص والقبول ـ:

كم أتمنى أن أتفرغ لذكر منهج هذا الإمام العظيم في كتابه هذا، ولقد جرَّبت شيئًا من ذلك، فوجدت أنِّي أحتاج إلى نقول طويلة لأبين فكرة صغيرة في منهج هذا الإمام، فانظر كم ستحتاج لإنشاء كتاب يبين عن منهجه الدقيق العميق.

وإن مما يؤسف عليه أن بعض الدراسات التي كتبت في منهجه لا تعدو أن تكون وصفًا قاصرًا ينقصها الاستقراء والتحليل.

ولعلي ـ إن تيسر لي المقام ـ أن أعلق على بعض المواطن المشكلة في ترجيحات الطبري، ليتبين فيها كيف سار الطبري على منهجيته ولم يخالفه، ولأبين كيف وقع الغلط ممن قرأ كلامه من المفسرين إن وُجِد.

و لا زلت أعتني بجمع هذه المواطن المشكلة لأقوم بمدارستها مع بعض الأصحاب، وأسأل الله أن يوفقني لذلك.

وإني مذ عرفت هذا الكتاب، وتدرَّجت في القراءة فيه، أحسست بأني أتأسس في علم التفسير ما لم يؤسسني فيه أستاذ ولا كتاب قبله، فلقد استفدت من هذا الكتاب كثيرًا ـ ولله الحمد ـ وإن لتعروني لذكرى الطبري هزَّة لا أجدها لغيره.

ولقد وفقني الله بخلٍّ وفيٍّ أتدارس معه هذا الكتاب، ونقرأه قراءة بحث وفكِّ، حتى أنسنا به، وانفكت لنا منه مغاليق، ولعل الأخ الكريم يتفرغ لطباعة شيء من التعاليق التي نشترك فيها أثناء القراءة، ففيها فوائد جمة من منقولاتٍ عمن علق على الطبري، أو نصوص تفيد في فهم كلامه وتعيين مبهماته التي يرمي بها إلى ذكر علَمٍ معيَّن، أو طائفة معينة.

وإني لأنصح طلاب علم التفسير أن يعتنوا بهذا السفر العظيم، وأن يولوه اهتمامًا كبيرًا، ففيه من الدرر ما الله به عليم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير