ذكرَ مِن فوائدها:" إحاطةُ الله بكلِّ شيءٍ لقولهِ {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً} ويترتّبُ على هذه الفائدةِ فائدةٌ مَسلكيّةٌ مُهِمّةٌ وهي: أنّكَ إذا عَلِمْتَ إحاطةَ الله بكلِّ شيءٍ خِفْتَ مِنه وخَشِيتَهُ وراقبتهُ؛ لأنّه مَهْمَا كُنتَ في أيِّ مكانٍ فإنّ الله مُحيطٌ بِكَ، فإذا آمنتَ بهذا خِفْتَ رَبَّ العالمين المحيط بكلِّ شيءٍ، وينبني على ذلكَ خَوْفُ الله بالقلبِ؛ لأنّ الله مُحيطٌ حتّى بقلبكَ.
يتبع إن شاء الله
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[22 Sep 2006, 04:23 م]ـ
الأمر الثاني: جانبُ الإرشاداتِ والتوجيهاتِ لطالبِ العلمِ
لقد كانَ الشيخُ رحمه الله يُلقِي تفسيرهُ على طُلاّبِهِ، فكانَ يستغلُّ ذلكَ بتذكيرهم بما تدلُّ عليه الآياتُ المفسَّرةُ، أو بما تُشِير إليه مِن الإرشاداتِ والتوجيهاتِ؛ رغبةً مِنه رحمه الله في تهذيبِ سُلوكِهم، وحثِّهم على العلمِ، والتخَلُّقِ بأخلاقهِ، ومِن الأمثلةِ على ذلكَ:
1 – توجيهاته بخصوصِ الفتوى والإفتاء أحكامًا وآدابًا.
كثيرًا ما تعرّضَ الشيخُ رحمه الله لهذا الأمرِ نظرًا لأهمّيتهِ؛ إذْ هو يعلمُ أنّ مَن أمَامَهُ سيكونُ مِن أهلِ الفتوى يومًا ما، إنْ استمرّ في الطلبِ ولم ينقطع.
فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة:42)
ذكرَ مِن فوائدها:" تحريمُ كِتمان الحقِّ؛ لقوله تعالى: {وَتَكْتُمُوا}؛ ولكن هلْ يُقال: إنّ الكِتمَانَ لا يكونُ إلا بعدَ طَلَبٍ؟
الجواب: نعم، لكن الطلبَ نَوعانِ: طلبٌ بلسانِ المقالِ؛ وطلبٌ بلسانِ الحالِ؛ فإذا جاءكَ شخصٌ يقولُ: ما تقولُ في كذا، وكذا: فهذا طلبٌ بلسانِ المقالِ؛ وإذا رأيتَ الناسَ قد انْغَمَسُوا في مُحَرَّمٍ: فبيانهُ مطلوبٌ بلسانِ الحالِ؛ وعلى هذا فيجبُ على الإنسانِ أنْ يُبَيِّنَ المنكرَ، ولا ينتظرَ حتَّى يُسألَ؛ وإذا سُئِلَ ولم يُجبْ لكونهِ لا يَعلم فلا إثم عليهِ؛ بلْ هذا هو الواجبُ؛ لقولهِ تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (الاسراء: من الآية36). هذه واحدة.
ثانياً: إذا رَأَى مِن المصلحةِ ألا يُبَيِّنَ فلا بأسَ أنْ يَكْتُمَ كما جاءَ في حديثِ عليِّ بن أبي طالب ?:" حَدِّثُوا الناسَ بما يَعرفُون؛ أَتُحِبُّونَ أنْ يُكذَّبَ الله ورسوله " ()؛ وقالَ ابنُ مَسعودٍ ?: "إنّك لنْ تُحدِّثَ قَومًا حَديثًا لا تَبلُغُهُ عُقولهم إلا كانَ لبعضهم فتنةً " ()؛ فإذا رأيتَ مِن المصلحةِ ألاَّ تُبَيِّنَ فلا تُبَيِّنْ ولا لَوْمَ عليكَ.
ثالثاً: إذا كانَ قَصْدُ السائلِ الامتحانَ، أو قَصْدُهُ تَتَبُّعَ الرُّخَصِ، أو ضربُ أقوالِ العلماءِ بعضها ببعضٍ. وأنتَ تَعلمُ هذا، فَلَكَ أنْ تَمْتَنِعَ؛ الامتحانُ أنْ يَأْتِيَ إليكَ، وتعرفُ أنّ الرجلَ يَعرفُ المسألةَ، لكنْ سَأَلَكَ لأجلِ أنْ يَمْتَحِنَكَ: هلْ أنتَ تَعرِفُهَا، أو لا؛ أو يُرِيدُ أنْ يَأخُذ مِنكَ كَلامًا لِيَشِيَ بهِ إلى أحدٍ، ويَنقلهُ إلى أحدٍ: فَلَكَ أنْ تَمْتَنِعَ؛ كذلكَ إذا عَلِمْتَ أنّ الرجل يَتَتَبَّعُ الرُّخَصَ، فيأتي يَسألُكَ يقول: سألتُ فُلاناً، وقالَ: هذا حَرَامٌ. وأنتَ تَعرفُ أنّ المسؤولَ رجلٌ عالِمٌ ليسَ جَاهِلاً: فَحينئذٍ لكَ أنْ تَمْتَنِعَ عن إِفْتَائِهِ؛ أمّا إذا كانَ المسؤولُ رَجُلاً تَعرفُ أنّه ليسَ عندهُ عِلْمٌ. إمّا مِن عامّةِ الناسِ، أو مِن طلبةِ العلمِ الذين لم يبلغوا أنْ يكونوا مِن أهلِ الفتوى: فَحينئذٍ يَجِبُ عليكَ أنْ تُفْتِيَهُ؛ لأنّه لا حُرْمَةَ لفتوى مَن أَفْتَاهُ؛ أمّا لو قالَ لكَ: أنا سَألتُ فُلاناً، ولَكِنِّي كُنت أطلبكَ، ولم أَجِدْكَ، وللضرورةِ سألتُ فُلاناً؛ لكن لما جاءَ الله بكَ الآنَ أَفْتِنِي: فَحينئذٍ يَجِبُ عليكَ أنْ تُفْتِيَهُ؛ لأنّ حالَ هذا الرجلِ كأنّه يقولُ: أنا لا أطمئنُ إلا لِفَتْوَاكَ؛ وخلاصةُ القولِ أنّه لا يَجِبُ عليكَ الإفتاءُ إلاَّ إذا كانَ المسْتَفْتِي مُسْتَرْشِدًا؛ لأنّ كِتمانَ الحقِّ لا يَتَحقَّقُ إلاَّ بعدَ الطلبِ بلسانِ الحالِ، أو بلسانِ المقالِ ". ()
¥