تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد أعلن رسول الإسلام هذه الحقيقة - وحدة الأسرة البشرية- أمام الجموع الحاشدة في حجة الوداع، قائلا: "يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم" [3]. وهو تقرير وتأكيد لما جاء في الآية الكريمة من سورة الحجرات {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات:13). فالمراد بالذكر والأنثى في الآية: آدم وحواء، وهما أبوا البشر. ويستأنس لهذا بما جاء في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود عن زيد بن أرقم وإن كان في إسناده ضعف: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاة: "اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه؛ أنا شهيد أنك وحدك لا شريك لك، اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه؛ أنا شهيد أن محمدا عبدك ورسولك، اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه؛ أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة" [4].

وقد أثبت القرآن أن هناك أخوة دينية بين أهل الإيمان أو أهل الدين الواحد، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: من الآية10)، {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} (آل عمران: من الآية103). كما أثبت أن هناك أخوة قومية ووطنية، كالتي أثبتها بين الرسل وأقوامهم المكذبين لهم {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} (لأعراف: من الآية65)، {إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً} (النمل: من الآية45). والأخوة هنا قطعا ليست دينية، وإنما هي أخوة قومية، ولهذا كان يبدأ كل رسول من هؤلاء نداءه بقوله: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (لأعراف: من الآية59). فلا غرو أن يكون هناك أخوة إنسانية آدمية بحكم الانتساب إلى آدم أبي البشر، ومن هنا نودوا جميعا بقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ َ} في القرآن خمس مرات.

تكريم الإنسان لإنسانيته وحدها

والركيزة الخامسة للتسامح في الإسلام: هي تكريم الإنسان من حيث هو إنسان، بغض النظر عن لون بشرته أو لون عينيه، أو صبغة شعره، أو شكل أنفه أو وجهه، أو بالنظر إلى لغته أو إقليمه الذي يعيش فيه، أو عرقه الذي ينتمي إليه، أو طبقته الاجتماعية التي ينتسب – أو ينسبه الناس- إليها، أو حتى دينه الذي يعتنقه ويؤمن به.

وذلك أن أساس التكريم في نظر القرآن هو: الآدمية ذاتها، كما قال تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء:70). وقال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (التين:4).وقال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الإنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (الرحمن:1 - 4). وقال في أول ما نزل من القرآن: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق: 3 - 5). وقال عز وجل {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة:30). نعم عقد مسابقة بين آدم والملائكة، ظهر فيها فضل آدم أبي البشر على الملائكة الكرام. ومن ثم أمر الإسلام باحترام الإنسان، فلا يجوز أن يؤذى في حضرته، أو يهان في غيبته، حتى بكلمة يكرهها لو سمعها، ولو كانت حقيقة في نفسها، ولكنها تؤذيه، وحتى بعد موته لا يذكر إلا بخير، ولا يجوز أن تمتهن حرمة جسده حيا أو ميتا، حتى جاء في الحديث: "كسر عظم الميت ككسر عظم الحي" [5].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير