تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- جودة الأذهان.

- وقوة الحوافظ.

- وبساطة الحضارة والتشريع.

- والبعد عن الاختلاط ببقية أمم العالم. (8)

ثانيا: المقامان الأساسان للتشريع

يقول ابن عاشور: إن للتشريع مقامين:

- المقام الأول: تغيير الأحوال الفاسدة وإعلان فاسدها، هذا المقام هو المشار إليه بقوله تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) (البقرة:257)، وقوله تعالى: (ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) (المائدة:16).

- المقام الثاني: تقرير أحوال صالحة قد اتبعها الناس، وهي الأحوال المعبر عنها بالمعروف في قوله سبحانه وتعالى: (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف:157). (9)

فما كان صالحًا من الأحوال لم يلغه القرآن، بل أبقى عليه ما دام لا يعارض مبادئ الإسلام ومصلحة المسلمين، كالطواف والسعي. أما ما كان مناقضًا لذلك فالإسلام ألغاه أو عدله حتى يصبح وفق الإسلام، كتعدد الزوجات وعقوبة القاتل.

يقول: «وأكثر ما يحتاج إليه في مقام التقرير هو الحكم بالإباحة، لإبطال غلو المتغالين بحملهم على مستوى السواد الأعظم من البشر الصالح، كما قال تعالى: (ويحل لهم الطيبا ت ويحرم عليهم الخبائث) (الأعراف:157)، فإن الطيبات تناولتها الناس، وشذ فيها بعض الأمم وبعض القبائل، فحرموا على أنفسهم طيبات كثيرة». (10)

ثالثا: المقاصد الكبرى للقرآن الكريم

يرى ابن عاشور رحمه الله أن القرآن الكريم يتميز بكونه:

1 - الجامع لمصالح الدنيا والدين.

2 - الحاوى لكليات العلوم ومعاقد استنباطها.

3 - الآخذ قوس البلاغة من محل نياطها. (11)

وفي المقدمة الرابعة يحدثنا ابن عاشور رحمه الله عن مقاصد القرآن فيقول: "إن القرآن أنزله الله تعالى كتابا لصلاح أمر الناس كافة رحمة لهم لتبليغهم مراد الله منهم. قال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب تبيانا لكل شيء هدى ورحمة وبشرى للمسلمين) (النحل: 89) فكان المقصد الأعلى منه صلاح الأحوال الفردية والجماعية و العمرانية، فالصلاح الفردي يعتمد تهذيب النفس و تزكيتها، ورأس الأمر فيه صلاح الاعتقاد لأن الاعتقاد مصدر الآداب و التفكير، ثم صلاح السريرة الخاصة، وهي العبادات الظاهرة كالصلاة، و الباطنة كالتخلق بترك الحسد والحقد والكبر.

و أما الصلاح الجماعي فيحصل بالصلاح الفردي إذ الأفراد أجزاء المجتمع، ولا يصلح الكل إلا بصلاح أجزائه، ومن شيء زائد على ذلك وهو ضبط تصرف الناس بعضهم مع بعض على وجه يعصمهم من مزاحمة الشهوات ومواثبة القوى النفسانية. وهذا علم المعاملات، و يعبر عنه الحكماء بالسياسة المدنية.

و أما الصلاح العمراني فهو أوسع من ذلك، إذ هو حفظ نظام العالم الإسلامي، وضبط تصرف الجماعات، والأقاليم بعضهم مع بعض على وجه يحفظ مصالح الجميع، ورعى مصالح الكلية الإسلامية، وحفظ المصلحة الجامعة عند معارضة المصلحة القاصرة لها، ويسمى هذا بعلم العمران وعلم الاجتماع". (12)

ثم يقول: "أليس قد وجب على الآخذ بهذا الفن أن يعلم المقاصد الأصلية التي جاء القرآن لتبيانها فلنلم بها الآن بحسب ما بلغ إليه استقراؤنا، وهي ثمانية أمور (13):

1 - إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح. وهذا أعظم سبب لإصلاح الخلق.

2 - تهذيب الأخلاق.

3 - التشريع و هو الأحكام خاصة وعامة.

4 - سياسة الأمة وهو باب عظيم في القرآن القصد منه صلاح الأمة وحفظ نظامها.

5 - القصص و أخبار الأمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم ... وللتحذير من مساوئهم.

6 - التعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين، و ما يؤهلهم إلى تلقى الشريعة ونشرها، وذلك علم الشرائع وعلم الأخبار وكان ذلك مبلغ علم مخالطي العرب من أهل الكتاب.

7 - المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير.

8 - الإعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول.

ثم يقول ابن عاشور: "غرض المفسر بيان ما يصل إليه، أو ما يقصده من مراد الله تعالى في كتابه بأتم بيان يحتمله المعنى، ولا يأباه اللفظ من كل ما يوضح المراد من مقاصد القرآن، أو ما يتوقف عليه فهمه أكمل فهم، أو يخدم المقصد تفصيلاً و تفريعاً .. مع إقامة الحجة على ذلك إن كان به خفاء، أو لتوقع مكابرة من معاند أو جاهل، فلا جرم كان رائد المفسر في ذلك أن يعرف على الإجمال مقاصد القرآن مما جاء لأجله، و يعرف اصطلاحه في إطلاق الألفاظ، و للتنزيل اصطلاح وعادات، وتعرض صاحب الكشاف إلى شيء من عادات القرآن في متناثر كلامه في تفسيره" (14) ..

هوامش:

1 - الشاطبي، الموافقات 2/ 6.

2 - نفسه 2/ 168.

3 - ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية ص 51.

4 - نفسه، ص 63.

5 - نفسه، ص 136.

6 - يقوم هذا العلم في نظر د. طه على نظريات ثلاث هي: نظرية الأفعال، نظرية النيات، نظرية القيم. تجديد مقاصد الشريعة، طه عبد الرحمن، مجلة قضايا إسلامية معاصرة عدد 8.

7 - ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية ص 5.

8 - نفسه ص 89.

9 - نفسه ص 102.

10 - نفسه ص 103.

11 - التحرير والتنوير 1/ 5.

12 - نفسه 1/ 38.

13 - نفسه 1/ 40 – 41.

14 - نفسه 1/ 41 – 42.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير