أحببت ان أسهم مع إخوتي في هذا الموضوع مقترحا
الإطار النظري للتفسير المقاصدي عند ابن عاشورعلى أن أعرض نماذج تطبيقية قابلا إن شاء الله:
سنحاول هنا الاقتراب من الإطار النظري الذي كان ينطلق منه ابن عاشور رحمه الله في فهمه للقرآن الكريم، وذلك عبر رؤيته لمقاصد الشريعة، ورؤيته الكلية للقرآن الكريم.
1 - مقاصد الشريعة كما رآها ابن عاشور
أولا: التعريف
إن الشاطبي رحمه الله لم يعط تعريفًا واضحًا لمقاصد الشريعة، وإنما اكتفى بالقول: "إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معًا" (1). وقال في موضع آخر "المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدًا لله اختيارًا، كما هو عبد لله اضطرارًا" (2)
أما صاحبنا ابن عاشور الذي جاء بعده فقد عرف المقاصد بما يلي: "مقاصد التشريع العامة هي المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف الشريعة، وغايتها العامة، والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظاتها، ويدخل في هذا أيضًا معانٍ من الحكم ليست ملحوظة في سائر الأحكام ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها". (3)
فجعل مقاصد الشريعة هنا تلك المعاني والأوصاف التي يتصف بها التشريع على اختلاف أحكامه ومجالاته.
وقال في موضع آخر: "المقصد العام من التشريع حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو الإنسان". (4)
وهنا حسم ابن عاشور مقررا أن المقصد العام من التشريع يتمثل في المحافظة على حفظ نظام الأمة بصلاح المهيمن عليه وهو الإنسان. فربط بين الفرد ومجتمعه في مسئوليته في ذلك.
ثم يعود مؤكدا أن "مقصد الشريعة الأعظم، نوط أحكامها المختلفة بأوصاف مختلفة تقتضي تلك الأحكام، وأن يتبع تغير الأحكام تغير الأوصاف" (5). وهذا ما تبين له من خلال استقراء أقوال الشارع صلى الله عليه وسلم وتصرفاته، ومن الاعتبار بعموم الشريعة الإسلامية ودوامها.
لكن الدكتور طه عبد الرحمن يوضح أن التعريف الذي يوفي بحقيقة علم المقاصد هو، باختصار، أنه علم الصلاح، إذ يجيب هذا العلم عن السؤال التالي: وهو كيف يكون الإنسان صالحا؟ أو كيف يأتي الإنسان عملا صالحا؟ (6) وعلى هذا يكون علم المقاصد علما أخلاقيا موضوعه الصلاح الإنساني.
ثانيا: الوظيفة
أراد ابن عاشور رحمه الله أن "يكون (كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية) نبراسا للمتفقهين في الدين ومرجعا بينهم عند اختلاف الأنظار وتبدل الأعصار، وتوسلا إلى إقلال الاختلاف بين فقهاء الأمصار، ودربة لأتباعهم على الإنصاف في ترجيح بعض الأقوال على بعض عند تطاير شرر الخلاف". (7)
فالغرض من كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية لا ينفصل عن الغرض من مقاصد الشريعة نفسها، بل إن الغرضين متطابقان.
وهكذا، فإن مقاصد الشريعة الإسلامية، كما يريدها ابن عاشور:
_نبراس للمتفقهين في الدين.
_مرجع بينهم عند اختلاف الأنظار وتبدل الأعصار.
_توسل إلى إقلال الاختلاف بين فقهاء الأمصار.
_دربة لأتباعهم على الإنصاف في ترجيح الأقوال بعضها على بعض الأقوال عند تطاير شرر الخلاف.
وما دعا ابن عاشور إلى صرف همته إليه ما رأى من عسر الاحتجاج بين المختلفين في مسائل الشريعة ...
إذن، فالغاية من مقاصد الشريعة أن تكون أداة يمتلكها الفقهاء (أو المتفقهون في الدين بتعبير ابن عاشور) حتى يحسنوا التعامل مع الاختلاف وقضاياه. وهذا الاختلاف لا يقصره ابن عاشور على اختلاف فقهاء عصر واحد ومصر واحد، بل يسعى إلى التقليل منه بين فقهاء الأمصار، وعند تبدل الأعصار.
وأود أن ألاحظ هنا أن مقاصد الشريعة تضع الاختلاف بين فقهاء الأمصار والأعصار في إطاره الصحيح، وتهيئ العقول والقلوب لتقبله من غير حساسية، وتحد من عواقبه وما يمكن أن ينتج عن ذلك من تطاحن ... ذلك أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. وهذه العلة تختلف باختلاف الزمان والمكان ...
2 - الرؤية المقاصدية الكلية لابن عاشور رحمه الله
أولا: المقصد من كون العرب حاملي رسالة الإسلام
يرى ابن عاشور رحمه الله أن الله عز وجل الله اختار العرب لحمل شريعة الإسلام خاتمة الرسالات إلى سائر المخاطبين بها، لأنهم يومئذ امتازوا من بين الأمم باجتماع صفات أربع لم تجتمع في التاريخ لأمة من الأمم، وتلك هي:
¥