تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بالنسبة للدكتور علي جمعة يقول في فتواه "ن القرآن الكريم لا يشتمل على جميع اللغة العربية من جذورٍ وتراكيبَ ومعانٍ، وإنما على نسبة ضئيلة منها (أقل من 30% من الجذور العربية، مثلاً) وأن تلك النسبة الصغيرة في سياقاتها ودلالاتها المحددة هي التي تستمد قدسيتها من القرآن الكريم، وأمّا غالبية اللغة العربية، فليست مقدّسة، ولهذا فهي عرضة للتغيير، وطبعاً للانقراض كذلك" وهو يقرر هنا أن القرآن قد احتوى على ما يقارب 30% من جذور اللغة العربية، وأن هذه النسبة هي التي تستمد قدسيتها من القرآن، ثم ينطلق دون مقدمات إلى الجزم بأن باقي اللغة العربية ليست له قدسية ما ومن ثم عرضة للانقراض، وهنا نشير إلى عدة أمور:-

أولا: القرآن ككتاب حوى ما يقارب 30% من جذور اللغة العربية، هل تعلم البشرية كتابا آخر في لغة أخرى من أشهر اللغات في العالم الآن كالإنجليزية أو الفرنسية قد احتوى مثل هذه النسبة، لا نقول أكثر منها ولكننا نكتفي نسبة مقاربة؟ لا والله. حتى الكتاب المقدس المزعوم بشقيه القديم والجديد لا يحتوي على هذه النسبة أو ما يقارب منها. وهذا بحد ذاته يعتبر إعجازا للقرآن نشكر لفضيلة المفتي أن لفت الأنظار إليه.

ثانيا: إن كان القرآن ككتاب مستقل قد حوى هذه النسبة من جذور اللغة العربية، وهو الوحي من الله لفظا ومعنى، فما بال السنة المطهرة واحتوائها للنسبة الباقية من جذور اللغة العربية وهي مثل القرآن شرحا له وتفسيرا وهي الوحي من الله معنى واللفظ لرسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى؟ ولعل هذا يفسر لنا مساندة الغرب لمن يسمون أنفسهم "القرآنيون" الذين يريدون عزل السنة أو بمعنى أدق القضاء عليها، ثم يأتي الدور على القرآن بعد ذلك، هيهات هيهات لما يوعدون.

ثالثا: إن كان القرآن ككتاب مستقل قد حوى هذه النسبة من جذور اللغة العربية، فما بال كتب التفسير وعلوم القرآن؟ ألم تحو هذا المؤلفات وأمهات الكتب التي تعج بها مكتبة فضيلة المفتي في بيته ومكتبه بباقي جذور اللغة العربية؟

ومن هذه النقطة نعرج على ما ذكره الدكتور أحمد محمد الضبيب، "تفسير الآية التي أوردناها سابقاً ? إنّا نحن نزّلنا الذكرَ وإنّا له لحافظون?، فأوضح أن الله سبحانه وتعالى لم يتعهّد بحفظ اللغة العربية أو ضمان بقائها، وإنما ضمن حفظ " الذِّكر" (وهو القرآن الكريم). ولهذا فإن اللغة العربية يمكن أن تنقرض ويبقى الذِّكر الحكيم بشريعته" هنا نقول:

أولا: إذا كان الرحمن قد تعهد بحفظ الذكر وهو القرآن الكريم، ويمكن أن يبقى الذكر بشريعته، ماذا فعل العلماء حتى تصل شريعة هذا الذكر إلينا على النحو المفصل التي هي عليه الآن؟ وإذا كانت اللغة العربية ستنقرض، فهذا حكم على كافة المؤلفات التي تحوي تفاصيل هذه الشريعة بالموت ويبقى القرآن أعزلا بلا شارح أو مادح، ولعل هذا ما يسعى إليه الغرب، وما مصيرهم إلا الخسران المبين. ولعمري على الفرض أن هذا يحدث، لهو من الفأل الحسن بإحياء هذا التراث والبحث في أسراره و إثراء مكتبة القرآن وعلومه إذ يسعى المسلم إلى معرفة أحكام القرآن في كافة مناحي الحية، لأن القرآن أنزل ليمشي على الأرض كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا إن كانت اللغة العربية ستنقرض، فكذلك كافة علوم الشرع من فقه وتفسير وحديث واجتهاد وغيرها، ولا أظن أن الدكتور الضبيب يقول بهذا.

ثانيا: مما أضاف فضية الدكتور الضبيب كذلك تأييدا لما ذهب إليه انقراض اللغة العربية في إيران بعد أن كانت لغة البلاد الرسمية والثقافة فيها، وبقي القرآن الكريم في تلك البلاد. والمثل ينطبق على إسبانيا كذلك، فقد انقرضت اللغة العربية هناك وبقي ثمة مسلمون يهتدون بالقرآن. أما انقراض اللغة العربية في إيران، فكلنا يعلم الحلم الشيعي بإنشاء إمبراطورية فارسية شيعية تكون امتدادا للحكم الفارسي القديم. وقد حاول الشيعة من قبل في المغرب العربي وزحفوا إلى مصر في العهد الفاطمي وأقاموا قاهرة المعز لجعلها معقلا للشيعة وبناء الأزهر الشريف لنشر المذهب الشيعي، لكن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فأرسل الحاكم الكردي صلاح الدين الأيوبي رحمه الله وقضى على حلمهم وجعل القاهرة حصنا للسنة والأزهر مدرسة لها وجيش الجيوش في مواجهة الصليبين ودحرهم. لكن لعل الدكتور الضبيب يشير من طرف خفي إلى شبه اتفاق وتحالف بين القوى المتعاندة في الماضي وشبه المتناحرة ظاهرا ذرا للرماد في ألأعين في الحاضر بجعل بلاد فارس نموذجا للشرق الأوسط الجديد حيث يتلى القرآن بلغته وتندثر علومه باللغة العربية وتتداول باللغات المحلية أيا كانت.

أما مثال إسبانا فهو قياس في غير موضعه كذلك فكلنا نعلم ما حدث للمسلمين هناك بفعل اليهود والنصارى والعملاء، فلم يكن الأمر انقراض اللغة العربية بل انقراض المسلمين هناك ومن ثم انقرضت اللغة العربية بانقراضهم، وهذا ما بشرت به الفاتيكان في مجامعها الأخيرة بأن تحل الألفية الثالثة ويكون الدين كله للمسيحية، لكن خيب الله أملها وشتت حلمها، ويأبى الله إلا أن يكون الدين خالصا له جل وعلا. وعليه إن كانت منظمة اليونسكو تبشر بانقراض اللغة العربية فهي تبشر كذلك بانقراض المسلمين وهنا يتضح الرابط بينها وبين الفاتيكان وتبرز أصابع خفافيش الظلام في وضح النهار.

ولو صح أن اعتمدنا ما ساقه الدكتور الضبيب لذكرنا الجزائر والمغرب وتونس، وهي بلاد عربية عمل الاحتلال الفرنسي دائبا على قتل اللغة العربية هناك حتى أن أهل هذه البلاد ليتحدثون بالفرنسية إلى الآن، لكن هل كانت هذه نهاية المطاف؟ أبدا فاللغة العربية باقية هناك يتحدثها المسلمون وغيرهم جنبا إلى جنب مع اللغات الأخرى. وبإحصاء القائمين على تدريس اللغة العربية في فرنسا الآن، نجد أن أكثر من 90% منهم من المغرب والجزائر وتونس، الله أكبر. أرادوا وأراد الله , والله فعال لما يريد. هذا بالإضافة إلى الجانب التجاري فيكفي أن نقول أن كافة المنتجات القادمة من تونس والمغرب والجزائر لا توجد عليها أيه بيانات باللغات المحلية، وكثيرا ما تجد عليها هذه البيانات باللغة العربية.

والله الهادي إلى سبيل الرشاد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير