وكلمة (في الغالب) تفيد أن هناك حالات لم يقدر الطب العلمي الحسي على شفائها! وهنا يأتي دور العلاج بالقرآن (الرقية الشرعية) بعد الطب الحديث، ولذا قلتُ ما قلت؛ لأن الأصل في البدء في التداوي أن يكون عند أهل الاختصاص من الأطباء الثقات الأمناء لا أصحاب الهوس المالي! ولا مانع من مشاركة العلاج بالقرآن مع علاجهم، سيما والهدف عندنا هو شفاء المريض؛ فمتى ما حصل بالتداوي عند الأطباء فالحمد لله، وهذا من عموم ما أباحه الله تعالى، سيما مع يقينية بعض أنواع العلاج اليوم الحسية من الطبيب المسلم الثقة، وحين لا يجد الأطباء للعلة والمرض دليلاً أو طريقاً للعافية، يتبعه _ أو يرافقه _ العلاج بالقرآن، ويقع بقدر الله تعالى، وقد لا يقع، وهذا يعود لقبول المحلِّ من عدمه مع أمور أخرى من شرائط الانتفاع بإذن الله تعالى.
رابعاً: مسألة علاج الرقية الشرعية لمرض بدني حسي غير اللدغ.
فيقال أولاً: إن حديث السليم الذي رقاه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه نص في الباب، وينطبق على علاج كل مرض بدني فلا يعدل عنه، ومن قال بالتخصيص؛ فهذا مفتقر للدليل، ولا أظنه يسعفه.
بيد أن هناك أمراض بدنية حسية ثبت نفع الرقية الشرعية (العلاج بالقرآن) فيها، ومن ذلك:
1_ الحمى التي تصيب البدن، وشاهدها حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو في البخاري في باب وضع اليد على المريض وقد مرَّ بك في الكتاب في الحاشية صـ (91) فهذا مرض بدني ثبت نفع الدعاء له وحصول الشفاء بدعاء رسول الله كما قاله العيني رحمه الله في العمدة على البخاري.
2_ رقية أمنا الحبيبة الصديقة عائشة رضي الله عنها وعن أهل بيتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا اشتكى الوجع والوعك تقرأ عليه بالمعوذات وهي الكافية من كل شر؛ فقد كانت ترقيه، وتمسح بيده الشريفة؛ رجاء بركتها. وهو في الصحيحين.
3_ ولما سبق أيضاً؛ فقد كانت الصديقة عائشة رضي الله عنها وعن أهل بيتها إذا خرج في يدها بثرة ترقيها بل بلفظ (وتُلِحُّ عليها بالتعويذ) أي الرقية فيقال لها رضي الله عنها إنها صغيرة! فتقول رضي الله عنها: إن الله عز وجل يعظِّم ما يشاء من صغير، ويصغِّر م يشاء من عظيم.
وانظر في المنتقى للباحي رحمه الله. وهذا أيضاً في المرض البدني.
4_ ما يكون من باب العلاج بالرقية وهي من وسائلها ومكملاتها؛ خواص ومنافع بعض المطعومات؛ زيت الزيتون، وحبة البركة (الحبة السوداء) والعسل والسنا .. ) فهذه المطعومات أودع الله فيها خاصية الشفاء، فإذا جمع معها الدعاء والرقية كان مفعولها أقوى وأكثر نفعاً وهذا مشاهد بالتجربة المستفيضة عند الرقاة، وهو من باب الجمع بين الأدوية لقوله (عليكم بالشفائين القرآن والعسل) وهذا فيه ردٌ على بعض الأطباء النفسانيين الذين يقولون باقتصار هذه المطعومات دون الرقية أو الدعاء عليها.
والأدلة على ذلك كثيرة، وفيما ذكر كفاية إن شاء الله.
خامساً: أما ما استشكلته من جواب شيخنا العلامة الوالد أ. د عمر الأشقر أمد الله في عافيته وبقاءه ونفع الأمة بعلمه:
فمراد الشيخ حفظه الله أن القرآن شفاء لأمراض الناس بدنية وروحية. واستدل بالآية الأولى.
وأن في القرآن دلالة على شفاء بعض المطعومات بجانب السنة.ولذا استشهد بالآية. والله أعلم.
سادساً: وأيضاً في دلالة النبي صلى الله عليه وسلم للرقية على غيره؛ فهذا يعود لأمرين:
الأول: معرفة سبب ورود الحديث؛ فهذا الحديث كانت له قصة، وهي أن آل ابن حزم معروف برقيته في الجاهلية؛ فحين لدغت العقربُ الرجل، عرض ابن آل حزم على رسول الله _ وسياقات القصة مختلفة لتعدد الروايات _ فقال ما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه خاصية بعض الصحابة في الرقية، وهذا يشهد له قول أصحاب القطيع: (هل فيكم راقٍ؟)
وتارة ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حين لدغ أحد صحابته رضوان الله عليهم فقال: (هل من راق؟) وذكره الإمام عبد الرزاق رحمه الله في مصنفه.
وأيضاً: كما مرَّ بسبب ورود الحديث الآنف.
فهذه النصوص تشير إلى خصوصية بعض القوم على بعض في العلم بهذا الباب؛ إعني باب الرقية الشرعية.
وفيه ردٌ على من أنكر وجود الرقاة من زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
¥