العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه، لم يُقاوم الداءُ أبداً، وكيف تقاوم الأدواءُ كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها فما من مرضٍ من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحِمية منه لمن رزقه الله فهماً في كتابه."
شرح العقيدة الطحاوية 2/ 422
ـ[أبو العالية]ــــــــ[19 May 2007, 08:20 م]ـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ..
بداية أشكر تجاوبك معي أخي الكريم محمد وأسأل الله أن يرزقني وإياك العلم النافع والعمل الصالح، وأن يستعملنا في طاعته وفي خدمة دينه، وأن يوفقك للسداد لكسب من تحاور للدخول في الإسلام؛ فتظفر بأجر كبير إن شاء الله.
وأما جواب ما استشكلته وسألتَ عنه وفقك الله وفتح علينا وعليك؛ فأقول بعد توفيق الله تعالى:
أولاً: مسألة الاستقراء التام للنصوص للشرعية في الموضوع؛ فقد جمعتُ في هذا الكتاب ما ظهر لي أنه بهذا الجمع شامل لموضوع التداوي، وربما تركت بعض النصوص؛ لأنها تدخل في نص آخر.
وأنتَ وفقك الله تعلم كما قرأتَ في طليعة الكتاب، أن هذا الكتاب استللته من الأصل الموسع الموسوم: ((نفع الأنام بما جاء في التداوي والرقى عن نبي الإسلام)) فهناك تفصيل آخر.
لكن خلاصة ما تؤول إليه النصوص _ حسب جهدي الضعيف _ هو ما أودعته في الكتاب الذي قرأته بارك الله فيك وأفدنا منك.
فإن كان ثمة نص شرعي يُملي إضافة على ما قيدته؛ فحيَّهلا به، ولك أحسن الدعاء أيها الناصح الحبيب، جزاك الله خيراً.
ثانياً: أما مسألة العلاج والبحث عن الشفاء وبين الصبر؛ فلا يا أخي الناصح الحبيب، ليس في النصوص الشرعية ما يدل على الحيرة والتشاكس، بل النصوص آمرةٌ بالعلاج وحاثَّة على التداوي ابتداءً، وهذا عام بين الطب الحسي أو التداوي الروحي المعنوي بالقرآن والدعاء، ومتى ما ترجَّح علاج على غيره وأثبت منفعة وجب الأخذ به، سداً لضرر أو هلاك متوقع، وهذا التداوي غير قادح ألبتة في التوكل على الله تعالى، بل هو من جملة الأسباب في ذلك. ولعلك قرأت كلام أهل العلم في لمسألة في موطنها من الكتاب.
ولكن مقامات الناس مع البلاء تختلف بحسب قوة إيمانهم، وصبرهم، وتوكلهم على الله تعالى.
فمن تحمل وطاق البلاء واحتسب؛ فلا شك ولا ريب أن جزاءه عند ربه كبير، وخير شاهد على هذا حالة المرأة (أم زفر) التي كانت تُصرع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد علمت من نفسها الصبر والطاقة؛ فاختارت الصبر والاحتساب؛ رغبة في الأجر الكبير والثواب العظيم، وقد خيَّرها المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، كما أشار لذلك ابن القيم في الزاد. وهذا مقام رفيع، سار عليه بعض أولياء الله تعالى.
أما من عجزت قواه عن التحمل؛ فقد يدخل في الإثم والعياذ بالله إن ترك التداوي وجرَّ تركه له الضرر والهلاك، ووقع فيما نهاه عنه الشارع الحكيم، من إهماله لحفظ النفس كما أشرتَ وفقك الله.
وبما أنَّ أحوال الناس تتفاوت؛ فاعلم علَّمني الله وإياك أن أحوال الناس تتجاذبها الأحكام التكليفية الخمسة؛ من واجب، ومندوب، ومباح، ومكروه، ومحرم، ولكل حالة حكم خاص.
وبهذا تعلم أخي محمد وفقك الله وفتح علينا وعليك، أنَّ الحد الفاصل في ذلك؛ هو حال الإنسان المبتلى نفسه.
وأمرٌ مهم ألفت نظرك إليه، ذلك أن التداوي في السابق كان نفعه ظنياً، وغير مستيقنٍِ، وقد ذكر هذا شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وأظنك قرأته في الحاشية، أما اليوم فمع تقدم العلم؛ فالذي يظهر لي والعلم عند الله، أن أقرب الأقوال في هذه المسألة هو الجمع بين ذلك؛ أي العلاج الطبي والعلاج بالقرآن، ولا تعارض ألبتة في ذلك.
وهذا ما أشار به علينا شيخنا العلامة الراحل محمد الصالح العثيمين نوَّر النُّور ضجيعه إِبَّان سؤالي له في الحرم، وقيدته في كناشتي مع باقي إملاءاته أعلى الله درجته، وجمعنا به في جنان الخلد. اللهم آمين.
ثالثاً: أما مسألة علاج القرآن للأمراض البدنية الحسية؛ فقد قلتُ في المرتبة الأولى:
(فالأول: يشفيه عقاقير الأطباء في الغالب بعد حوله الله وقوته)
¥