وهي في الوقت ذاته تكشف عن صورة من صور الرحمة الإلهية تتجلى في رعاية الله لهذا الكائن الإنساني، وعنايته بأن يهتدي. تتجلى هذه العناية في إرسال الرسل تترى إلى هذه البشرية العنيدة الضالة الذاهبة وراء القيادات المضللة المستكبرة عن الحق والهدى.
ثم هي بعد هذا وذلك تعرض صورة من صور الجهد المضني، والعناء المرهق، والصبر الجميل، والإصرار الكريم من جانب الرسل صلوات الله عليهم لهداية هذه البشرية الضالة العنيدة العصية الجامحة. وهم لا مصلحة لهم في القضية ولا أجر يتقاضونه من المهتدين على الهداية، ولا مكافأة ولا جُعل يحصلونه على حصول الإيمان ().
الفصل الثاني: التعريف بتفسير الكشاف:
المطلب الأول قصة تأليف الزمخشري للكشاف:
فقد قال الزمخشري في مقدمة تفسيره الأمر الذي دعاه إلى الإقدام على كتابة التفسير: أنه كلما رجع إليه بعض إخوانه من أهل العلم والفضل في تفسير آية فأبرز لهم بعض الحقائق من الحجب، أفاضوا في الاستحسان والتعجب، واستطاروا شوقًا إلى مصنف يضم أطرافًا من ذلك، ثم ذكر كلامًا طويلا وقال فيما معناه أن الله شرح صدره لكتابة هذا التفسير. ()
المطلب الثاني: النهج الأصول التي اعتمد عليها الزمخشري في تفسير الكشاف:
المبحث الأول: تفسير القرآن بالقرآن:
اعتنى الزمخشري رحمه الله بتفسير القرآن بالقرآن وكان يكثر من ذلك ومثال ذلك:
المسألة الأولى: عند قوله تعالى: {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعآئي} جعل الدعاء فاعل زيادة الفرار. والمعنى على أنهم ازدادوا عنده فراراً؛ لأنه سبب الزيادة.
ثم ذكر لها شواهد من القرأن تفسرها نحوه:
قوله تعالى: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ} [التوبة: 125]
وقوله تعالى: {فَزَادَتْهُمْ إيمانا} [التوبة: 124].
المسألة الثانية: وعند قوله تعالى: {واستغشوا ثِيَابَهُمْ} وتغطوا بها، كأنهم طلبوا أن تغشاهم ثيابهم، أو تغشيهم لئلا يبصروه كراهة النظر إلى وجه من ينصحهم في دين الله.
ويعضده قوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} [هود: 5]
المسألة الثالثة: ولما تكلم عن تفسير قوله تعالى: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم أنهارًا) ذكر كلاما في تفسيرها ثم قال رحمه الله:
كما قال تعالى: {وأخرى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مّن الله} [الصف: 13]
وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى ءامَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بركات} [الأعراف: 96].
وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِمْ مّن رَّبّهِمْ لاَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ} [المائدة: 66]. وقوله تعالى: {وَأنَّ لو استقاموا عَلَى الطريقة لاسقيناهم} [الجن: 16].
المسألة الرابعة: ولما تكلم عند قوله تعالى: (وجعل القمر فيهن نورًا وجعل الشمس سراجًا) ذكر تفسيرها ثم قال رحمه الله: ومثله قوله تعالى: {هُوَ الذى جَعَلَ الشمس ضِيَاء والقمر نُوراً} [يونس: 5].
المسألة الخامسة: وعندما تكلم في تفسير قوله تعاى {وَقَدْ أَضَلُّواْ} ذكر أن الضمير للرؤساء.
ومعناه: وقد أضلوا {كَثِيراً}.
ثم ذكر لها آية تفسرها وهي قوله تعالى: {إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس} [إبراهيم: 36].
المسألة السادسة: وذكر رحمه الله عند تفسير لقوله تعالى: {فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ الله أَنصَاراً} تعريض بإتخاذهم آلهة من دون الله وأنها غير قادرة على نصرهم، وتهكم بهم، كأنه قال: فلم يجدوا لهم من دون الله آلهة ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله.
ثم ذكر آية تفسر هذه الآية وقال رحمه:وهي كقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا} [الأنبياء: 43]
المبحث الثاني: تفسير القرآن بالحديث (عنايته بالحديث):
يتضح من تفسير الزمخشري رحمه الله لسورة نوح وغيرها من السور، أنه رحمه الله قليل الاستشهاد بالأحاديث النبوية.
المبحث الثالث: الاستشهاد بالسيرة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم والتابعين:
¥