تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والخوف: ظن وقوع المضرة من شيء. وتقدم في قوله تعالى: {إلا أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله} في سورة البقرة (الآية 229).

المطلب الثالث: الراجح في الفرق بين الخوف والخشية:

كما قلنا فإن إيجاد الفروق بين الألفاظ القرآنية يكون بالبحث عن المعنى المحدد للكلمة في آيات القرآن ذاته؛ لإيجاد المعنى الدقيق الذي يقصده القرآن.

وإذا تتبعنا آيات القرآن التي ذكرت الخوف والخشية؛ نجد أن هناك أكثر من فرق بين الكلمتين، فمثلاً قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)، يشهد لما قاله صاحب "المنار" من أن الخشية خوف في محل الأمل، ومَن أحق من العلماء بهذا الخوف وبذلك الأمل؟! ولا يتنافى مع ما قاله الراغب من أن الخشية: خوف يشوبه تعظيم، والعلماء حقيقون بهذا التعظيم، حريصون عليه.

ومن تتبعي للآيات التي وردت فيها هاتين الكلمتين يمكن أن نجد بعض الفروق بينهما، ولعل القول الذي يقول بأن الخشية أخص من الخوف -كما ذهب ابن القيم- أو أنها أعلى منه -كما ذهب السيوطي- يمكن أن يجعلنا نميل إلى القول بأن بينهما عموم وخصوص؛ فالخوف أعم من الخشية، وبناء على ذلك يمكن أن نلخص الفرق بينهما فيما يلي:

الخشية: خوف مع علم.

الخشية: خوف مع رجاء.

الخشية: خوف مع تعظيم.

وهكذا فإن الخوف أوسع و أشمل وأعم من الخشية، ولعل هذا القول (العموم والخصوص) يزيل كثيراً من الاعتراضات التي توجه إلى كثير من الأقوال في الفرق بينهما، وهو ما دفع الشهاب إلى القول: "ومثله من الفروق أغلبي لا كلي وضعي" -كما ذكرنا- والله تعالى أعلم.

خاتمة

وختاماً .. فمِن تتبع دلالات كلمتي الخوف والخشية في القرآن نستطيع أن نخرج بفائدة تنوع دلالاتهما، والذي يتراءى لي أن الترادف غير ممكن في العربية، وأن القول بوجوده يتعارض مع عظمة العربية، واتساع قاموسها.

ولو سلمنا للقائلين بالترادف لسفهنا بطريقة أو بأخرى علماء اللغة، الذين جمعوا اللغة من مظانها ومن أفواه العرب، ووقعنا في عبثية لفظية، تنزه اللغة العربية عنها. وأمرٌ آخر يدعم القول بإنكار الترادف، وهو ما ذكرناه من أمثلة قرآنية، ومجيء لفظ الخشية في سياق خاص، ولفظ الخوف في سياق آخر مغاير للأول.

وبعد .. فلا أزعم أنني ألممت بأطراف البحث في هذه القضية، وحسبي أني جمعت بعض ما قيل فيها، والحمد لله أولاً وآخراً.

ونسألك اللهم أن ترزقنا خوفك وخشيتك، وأن تجعل أعمالنا خالصة لوجهك، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المراجع

- المدرسي، محمد تقي، بحوث في القرآن الحكيم، دار المشرق العربي الكبير، ط2، 1979م.

- الزركشي، بدر الدين محمد بن علي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الجيل، بيروت، 1988م.

- لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار صادر، بيروت، ط1.

- الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت.

- الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، ط2، 1997م.

- سيبويه، الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، ط1، 1411هـ- 1991م، (1/ 7 - 8).

- الجرجاني، علي بن محمد، التعريفات، ضبطه وفهرسه محمد بن عبد الحكيم القاضي، دار الكتاب المصري، القاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1، 1991م.

- العسكري، أبو هلال الحسن بن عبد الله، الفروق في اللغة، تحقيق جمال عبد الغني مدغمش، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط1، 1422هـ - 2002م.

- ابن فارس، أحمد، الصاحبي في فقه اللغة، القاهرة، 1328هـ.

- المزهر، السيوطي، مطبعة محمد علي صبيح، مصر، (د ت).

- حاكم مالك الزيادي، الترادف في اللغة، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، العراق،1980م.

- فضل حسن عباس، إعجاز القرآن الكريم، دار الفرقان، 1991م.

- محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.

- الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1998م.

- ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر، مدارج السالكين، القاهرة، ط1، 1422هـ.

- السفاريني، محمد بن أحمد بن سالم، غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، مؤسسة قرطبة، ط2، 1993م.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير