تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بين يديه تعالى ضعفاء، ثم أردفه بالفوقية الدالة على العظمة، فجمع بين الأمرين، ولما كان ضعف البشر معلوماً لم يحتج إلى التنبيه عليه.

وأقول: إن الوجه الأخير الذي ذكره السيوطي هو الذي اقتصر عليه الراغب الأصفهاني، حيث قال: الخشية خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك من علم بما يخشى منه، ولكن السيد محمد رشيد رضا رحمه الله لم يرتضِ ما ذكره الراغب، فقال رحمه الله: "إن القيد الذي ذكره الراغب لا يظهر في كل الشواهد التي وردت من هذا الحرف في القرآن وكلام العرب". وبعد أن استشهد على ذلك بشيء من أقوال العرب قال: "فإن كان بين الخوف والخشية فرق فالأقرب عندي أن تكون الخشية هي الخوف في محل الأمل، ومن دقق النظر في الآيات التي ورد فيها حرف الخشية يجد هذا المعنى فيها، ولعل أصل الخشية مادة خشت النخلة تخشو، إذا جاء ثمرها دقلاً (رديئاً)، وهي مما يرجى منها الجيد".

المطلب الثاني: من أقوال المفسرين في الفرق بين الخوف والخشية:

سأتناول كلام المفسرين من خلال تفسيرهم للآية الحادية والعشرين من سورة الرعد، وقد جاء اختياري لهذه الآية كونها جمعت بين المفردتين مدار البحث بل عطفت إحداهما على الأخرى، والعطف كما يقال يقتضي التغاير؛ فكانت الآية مظنة الكلام عن الفرق بين الخوف والخشية. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوْصَلَ ويَخْشَوْنَ رَبَهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد: 21].

قال الآلوسي في تفسيره "روح المعاني": {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} أي وعيده سبحانه والظاهر أن المراد به مطلقاً، وقيل: المراد وعيده تعالى على قطع ما أمروا بوصله {وَيَخَافُونَ سُوء الحساب} فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا، وهذا من قبيل ذكر الخاص بعد العام للاهتمام، والخشية والخوف قيل بمعنى، وفي فروق العسكري أن الخوف يتعلق بالمكروه ومنزله تقول خفت زيداً وخفت المرض والخشية تتعلق بالمنزل دون المكروه نفسه، ولذا قال سبحانه: {يَخْشَوْنَ} أولاً {وَيَخَافُونَ} ثانياً، وعليه فلا يكون اعتبار الوعيد في محله، لكن هذا غير مسلم لقوله تعالى: {خَشْيَةَ إملاق} [الإسراء: 31] و {لِمَنْ خَشِىَ العنت مِنْكُمْ} [النساء: 25] وفرق الراغب بينهما فقال: الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم ولذلك خص العلماء بها في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: 28].

وقال بعضهم: الخشية أشد الخوف لأنها مأخوذة من قولهم: شجرة خشية أي يابسة ولذا خصت بالرب في هذه الآية، وفرق بينهما أيضاً بأن الخشية تكون من عظم المخشي وإن كان الخاشي قوياً والخوف من ضعف الخائف وإن كان المخوف أمراً يسيراً، يدل على ذلك أن تقاليب الخاء والشين والياء تدل على الغفلة وفيه تدبر، والحق أن مثل هذه الفروق أغلبي لا كلي وضعي ولذا لم يفرق كثير بينهما، نعم اختار الإمام أن المراد من {يَخْشَوْنَ رَبَّهُم} أنهم يخافونه يخوف مهابة وجلالة زاعماً أنه لولا ذلك يلزم التكرار وفيه ما فيه.

وقال ابن عادل الحنبلي في تفسيره "اللباب": والفرق بين الخشية والخوف: أنَّ الخشية أن تخشى وقوع خلل إمَّا بزيادةٍ أو نقصٍ فيما يأتي به، والخوفُ: هو مخافة الهيبة والجلال.

وقال الشهاب الخفاجي في حاشيته على تفسير البيضاوي: "في "فروق العسكري": "الخوف متعلق بالمكروه ومُنْزِل المكروه، تقول: (خفت زيداً وخفت المرض)، والخشية تتعلق بمُنْزِلِ المكروه دون المكروه نفسه؛ ولذا قال تعالى: {يَخْشَوْنَ رَبَهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} " ... وليس هذا بمسلم؛ لقوله: {خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ} [الإسراء: 31]، وقوله: {لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتْ مِنْكُمْ} [النساء: 25]، وقد فرق الراغب رحمه الله في "مفرداته" بينهما بفرق آخر فقال: "الخشية: خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم؛ ولذلك خص العلماء بها في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاء} [فاطر: 28] " ومثله من الفروق أغلبي لا كلي وضعي".

وقال ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير": والخشية: خوف بتعظيم المخوف منه وتقدمت في قوله تعالى: {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} في سورة البقرة (الآية 45). وتطلق على مطلق الخوف.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير