تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والوجه الثاني: قوله: (مع تصحيح بقية الأقوال) يحصر الاختيار في تفسير الآيات التي صحت جميع أقوالها. ومعلوم أن من الآيات ما يكون في تفسيرها عدة أقوال، بعضها صحيح مقبول، وبعضها ضعيف مردود؛ فهذا القيد لا يناسب هذه الآيات، ولا يصلح لها.

والأنسب في تعريف الاختيار أن يقال: هو تقديم أحد الأقوال المقبولة في تفسير الآية لسبب معتبر.

ثانياً: تعريف الترجيح:

الترجيح في اللغة مصدر رجّح، و (الراء والجيم والحاء أصل واحد، يدل على رزانة وزيادة. يقال: رجح الشيءُ، وهو راجح، إذا رَزَن.) ([11])

والترجيح في الاصطلاح: تقوية أحد الدليلين بوجه معتبر. ([12])

وعرفه بعضهم: بالتقوية لأحد المتعارضين، أو تغليب أحد المتقابلين. ([13])

وفي اصطلاح الأصوليين: تقوية إحدى الإمارتين على الأخرى. وقيل: الترجيح إظهار الزيادة لأحد المثلين على الآخر. وقيل: بيان اختصاص الدليل بمزيد قوة عن مقابله ليُعمل بالأقوى. ([14]) وقيل: تقوية أحد الدليلين المتعارضين. ([15])

وأما المفسرون فليس للترجيح عندهم حدّ أو تعريف متفق عليه، ولم أرَ من ذكر له تعريفاً من المتقدمين. واستعمالهم للترجيح في تفاسيرهم يدل على توسعهم في إطلاقه، فهو عندهم يشمل كلّ تقديم لقول على آخر، سواء كان تقديماً يلزم منه ردّ الأقوال الأخرى، أم كان تقديماً لا يلزم منه ذلك.

وعلى هذه فالترجيح عند المفسرين يفترق عن الترجيح بين القراءات عند القراء؛ فمن شرط جواز الترجيح بين القراءات المتواترة عند من يجيزه: عدم ردّ القراءة المرجوحة. ([16])

وأما الترجيح الذي سرت عليه في هذا البحث فهو: تقوية أحد الأقوال في تفسير الآية لدليل، أو لتضعيف ورد ما سواه. ([17])

ثالثاً: الفرق بين الاختيار والترجيح:

سبق التنبيه على أن عمل المفسرين يدل على عدم تفريقهم بين الاختيار والترجيح، وقد نهجت بعض الدرسات العلمية المتأخرة منهج التفريق بينهما؛ لأن كل لفظ له دلالته في اللغة، كما أنّ ذلك يفيد في التمييز بين الترجيحات الواردة في كتب التفسير؛ فإنها ليست على مرتبة واحدة.

ومن خلال التعريفين السابقين للاختيار والترجيح، الّذَيْن اعتمدتهما في هذه الدراسة يتضح أن بينهما فرقاً من وجهين:

أحدهما: أن الترجيح تقوية لأحد الأقوال؛ ليُعلم الأقوى؛ فيُعمل به، ويُطرح الآخر. بخلاف الاختيار؛ فإنه ميل إلى المختار، وليس فيه طرح للأقوال الأخرى.

ومما يؤيد هذا التفريق ما ذكره الأصوليون في مسائل الترجيح؛ فقد نص بعضهم على أنه إذا تحقق الترجيح وجب العمل بالراجح وإهمال الآخر. ([18])

كما يؤيده أيضاً ما اتفق عليه الأصوليون من كون الجمع بين الدليلين أولى من الترجيح؛ لأن في الترجيح إسقاطاً لأحدهما. ([19])

والثاني: أن الترجيح يكون بين الأقوال المقبولة وغير المقبولة، والصحيحة والضعيفة. وأما الاختيار فلا يكون إلا بين الأقوال المقبولة في تفسير الآية.

ويُبنى على هذا أن الاختلاف بين الأقوال في الترجيح يكون في الغالب من اختلاف التضاد، بخلاف الاختيار؛ فإن الاختلاف بين الأقوال فيه إنما يكون من اختلاف التنوع.

2 - أثر الاختيارات والترجيحات في علم التفسير:

لدراسة الاختيارات والترجيحات، ومعرفة الأقوال الراجحة والمختارة في تفسير الآيات أهمية في التفسير من وجوه:

الوجه الأول: أن تحقيق أقوال المفسرين، والتمييز بينها، ومعرفة مراتبها من مقاصد علم التفسير. وقد نص على ذلك بعض المفسرين، ومنهم ابن جزي الكلبي؛ فقد ذكر في مقدمة تفسيره أن من مقاصد تصنيفه: تحقيق أقوال المفسرين السقيم منها والصحيح، وتمييز الراجح من المرجوح. قال مبيناً وجه هذه المقصد: (وذلك أن أقوال الناس على مراتب، فمنها الصحيح الذي يعول عليه، ومنها الباطل الذي لا يلتفت إليه، ومنها ما يحتمل الصحة والفساد، ثم إن هذا الاحتمال قد يكون متساوياً أو متفاوتاً، والتفاوت قد يكون قليلاً أو كثيراً .. ) ([20])

وهذا الذي ذكره ابن جزي لا يتحقق، ولا يعلم إلا بدراسة مواضع الخلاف وتحقيق مراتب الأقوال، وبيان منزلتها. وهذا هو المقصود الأهم من دراسة الاختيارات والترجيحات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير