تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الوجه الثاني: أن دراسة الاختيارات والترجيحات، وبيان الراجح من الأقوال والروايات يعدّ أحسن طرق حكاية الخلاف. قال الإمام ابن تيمية تعليقاً على قول الله تعالى: ? سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً ? (الكهف:22)، بعد أن بيّن أنها اشتملت على الأدب في هذا المقام – مقام حكاية الخلاف -: (فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن يستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، ويذكر فائدة الخلاف وثمرته لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن الأهم.

فأما من حكى خلافاً في مسألة، ولم يستوعب أقوال الناس فيها، فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه. أو يحكي الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال؛ فهو ناقص أيضاً. فإن صحح غير الصحيح عامداً فقد تعمد الكذب، أو جاهلاً فقد أخطأ.

وكذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالاً متعددة لفظاً ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى؛ فقد ضيع الزمان، وتكثّر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور ([21]). والله الموفق للصواب.) ([22])

الوجه الثالث: دراسة مواضع الخلاف في التفسير، وبيان الصحيح من الأقوال وتحديد الراجح منها هو السبيل الأمثل لتنقية كتب التفسير من رديء الأقاويل، وضعيف الروايات، وشواذ المسائل. وهذه التنقية من أهم ما ينبغي أن يعتني به أهل العلم المتخصصون؛ حتى يقوموا بواجب النصح للمسلمين، بتعليمهم معاني كلام الله تعالى على الوجه الأكمل.

كما أن اختيار القول الأقوى معنى، والأفصح لفظاً، والأكثر دلالة على المقصود من الأقوال المقبولة في تفسير الآيات يفيد في حمل كلام الله عز وجل على أكمل الوجوه.

ومما للاختيار أهمية كبيرة فيه: تصنيف التفاسير المختصرة التي تدعو الحاجة والمصلحة إلى الاقتصار فيها على قول واحد؛ فلا شك أن معرفة مراتب الأقوال تفيد في هذا الباب كثيراً؛ لأنها تعين المصنف على اختيار أفضل الأقوال في تفسيره.

الوجه الرابع: من الفوائد المهمة لدراسة الاختيارات والترجيحات في التفسير أنها تُكسب الباحث خبرة بكتب التفسير، وتعطيه تصوراً صحيحاً عنها؛ فيتعرف بذلك على قيمة كل كتاب، وميزات كل تفسير. كما أن ذلك يفيد في معرفة مراتب المفسرين من حيث مكانتهم في التفسير، وقيمة ترجيحاتهم واختياراتهم.

الحواشي السفلية


([1]) انظر مقدمة في أصول التفسير للإمام ابن تيمية ص25.

([2]) معجم مقاييس اللغة لابن فارس 2/ 232.

([3]) انظر لسان العرب لابن منظور، مادة» خير «.

([4]) انظر مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ص301، وعمدة الحفاظ للسمين الحلبي 1/ 630.

([5]) جامع الرسائل 1/ 137.

([6]) معجم الاصطلاحات في علمي التجويد والقراءات للدكتور إبراهيم بن سعيد الدوسري ص21.

([7]) انظر النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/ 52.

([8]) رسالة: ترجيحات الإمام ابن جرير في التفسير للدكتور حسين الحربي ص66

([9]) التفسير الكبير 19/ 134.

([10]) التحرير والتنوير 16/ 198.

([11]) معجم مقاييس اللغة لابن فارس 2/ 489.

([12]) انظر كتاب التعاريف للمناوي 1/ 170.

([13]) المصدر السابق 1/ 170.

([14]) انظر البحر المحيط للزركشي 8/ 145.

([15]) انظر مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص538.

([16]) انظر معجم مصطلحات علمي التجويد والقراءات للدكتور إبراهيم بن سعيد الدوسري ص40 - 41.

([17]) ذكره الدكتور حسين الحربي في كتابه قواعد الترجيح عند المفسرين 1/ 35 بلفظ: (تقوية أحد الأقوال في تفسير الآية لدليل أو قاعدة تقويه، أو لتضعيف أو ردّ ما سواه).

([18]) انظر تقرير ذلك في البحر المحيط للزركشي 8/ 145.

([19]) انظر الجامع لأحكام القرآن 10/ 305.

([20]) انظر التسهيل لعلوم التنزيل 1/ 5.

([21]) ثبت في صحيح البخاري في كتاب النكاح، باب: المتشبع بما لم ينل ... عن أسماء أن امرأة قالت: يارسول الله، إن لي ضرةً، فهل عليّ جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال رسول الله r : » المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور «رقم 5219. وأخرجه مسلم أيضاً في كتاب اللباس والزينة، رقم 2129 عن عائشة، ورقم 2130 عن أسماء.

([22]) مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص89 - 90.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير