تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يعتبر البقاعي من أبرز المفسرين عناية بالمناسبات، ولذا ألف تفسيره (نظم الدرر) معتمداً فيه على بيان المناسبات والروابط بين الآيات. وهو في ذلك كثيراً ما يعتمد السياق في بيان المناسبة والربط.

ومن أمثلة عنايته بالسياق في جانب الربط في المناسبة ما ذكره في قوله تعالى: +وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ" [الحجر87].

قال: "ولما ذكر صفة العلم بصيغة المبالغة، أتبعها ما آتاه في هذه الدار من مادة العلم بصيغة العظمة، فقال عطفاً على ما قدرته مما دل عليه السياق: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ} مما يدل على علمنا {سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي} وهي الفاتحة الجامعة على وجازتها جميع معاني القرآن" ([10]).

ومن عنايته بالسياق عنايته بإظهار وجه التعبير في الآيات اعتماداً على السياق، وأغراض السورة والآيات فيها. ففي تفسيره لقوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا} [البقرة:35].

قال في بيان معنى الآية ووجوه التعبير فيها: "ولما كان السياق هنا لمجرد بيان النعم استعطافاً إلى المؤالفة كان عطف الأكل بالواو في قوله: +وَكُلاَ مِنْهَا" كافياً في ذلك، وكان التصريح بالرغد الذي هو من أجل النعم عظيم الموقع فقال تعالى: {رغداً} أي واسعاً رافهاً طيباً هنيئاً .. بخلاف سياق الأعراف فإنه أريد منه مع التذكير بالنعم التعريف بزيادة التمكين، ... ثم المقصود من حكاية القصص في القرآن إنما هو المعاني فلا يضر اختلاف اللفظ إذا أدى جميع المعنى أو بعضه ولم يكن هناك مناقضة، فإن القصة كانت حين وقوعها بأوفى المعاني الواردة ثم إن الله تعالى يعبر لنا في كل سورة تذكر القصة فيها بما يناسب ذلك المقام في الألفاظ عما يليق من المعاني ويترك ما لا يقتضيه ذلك المقام، وسأبين ما يطلعني الله عليه من ذلك في مواضعه إن شاء الله تعالى" ([11]).

تاسعاً: ابن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير).

يعتبر ابن عاشور في المرتبة الثانية بعد ابن جرير في العناية بالسياق، وقد صرح بعنايته بالسياق واعتماده في تفسيره، فقال: "وقد اهتممت في تفسيري هذا ببيان وجوه الإعجاز، ونكت البلاغة العربية، وأساليب الاستعمال، واهتممت أيضاً ببيان تناسب اتصال الآي بعضها ببعض، وهو منزع جليل .. ولم أغادر سورة إلا بينت ما أحيط به من أغراضها لئلا يكون الناظر في تفسير القرآن مقصوراً على بيان مفرداته ومعاني جمله كأنها فقر متفرقة تصرف عن روعة انسجامه وتحجب عن روائع جماله" ([12]).

ولقد أبدع في إظهار أغراض الآيات إبداعاً لم أجد أحداً من المفسرين سبقه فيه، وهذا هو السياق بعينه. كما أبدع في الترجيح بالسياق كثيراً.

ومن الأمثلة الدالة على عنايته بالسياق واعتباره له في التفسير والترجيح:

ما جاء في تفسيره لقوله تعالى: {إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} [يونس:7].

قال في بيان المراد بالغفلة في الآية: "والمراد بالغفلة: إهمال النظر في الآيات أصلاً، بقرينة المقام والسياق وبما تومىء إليه الصلة بالجملة الاسمية {هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} الدالة على الدوام، وبتقديم المجرور في قوله تعالى: +عَنْ آيَاتِنَا" من كون غفلتهم غفلة عن آيات الله خاصة دون غيرها من الأشياء فليسوا من أهل الغفلة عنها مما يدل مجموعه على أن غفلتهم عن آيات الله دأب لهم وسجية، وأنهم يعتمدونها فتؤول إلى معنى الإعراض عن آيات الله وإباء النظر فيها عناداً ومكابرة. وليس المراد مَن تعرِض له الغفلة عن بعض الآيات في بعض الأوقات" ([13]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير