تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومنها: أنّ القرآنَ لا يقرؤهُ الجُنُبُ حتّى يغتسلَ على القولِ الراجحِ، بِخلاف الأحاديثِ القُدْسيَّةِ.

ومنها: أنّ القرآنَ ثَبَتَ بالتواترِ القطْعِيِّ المفيدِ للعلمِ اليقينيِّ، فلو أَنْكَرَ حرفًا أجمعَ القرَّاءُ عليهِ لكانَ كافرًا، بخلافِ الأحاديثِ القُدْسيَّةِ؛ فإنّهُ لو أنكرَ شيئًا منها مُدَّعيًا أنّه لَمْ يَثْبُتْ لم يكفر، أمّا لو أنكرهُ مع علمهِ أنّ النبيَّ ? قَالَهُ لكانَ كافرًا لتكذِيبهِ النبيَّ ?.

وأجابَ هؤلاءِ عن كَوْنِ النبيِّ ? أضافهُ إلى الله – والأصلُ في القولِ المضافِ أنْ يكونَ لَفْظُ قائلِه – بالتسليمِ أنّ هذا هو الأصلُ، لكن قد يُضافُ إلى قائلِه معنىً لا لفْظًا، كما في القرآنِ الكريمِ، فإنّ الله تعالى يُضيف أقوالاً إلى قائليها، ونحن نعلمُ أنّها أُضيفتْ معنىً لا لفظًا، كما في قَصَصِ الأنبياءِ وغيرهم، وكلام الهدهد والنملة، فإنّه بغير هذا اللفظِ قطعًا.

وبهذا يتبيَّنُ رُجحانِ هذا القولِ، وليسَ الخلافُ في هذا كالخلافِ بينَ الأشاعرةِ وأهل السنّةِ في كلامِ الله تعالى، لأنّ الخلافَ بين هؤلاءِ في أَصْلِ كلامِ الله تعالى، فأهلُ السنّةِ يقولونَ: كلامُ الله تعالى كلامٌ حقيقيٌّ مَسموعٌ يتكلّمُ سبحانهُ بصوتٍ وحَرْفٍ، والأشاعرةُ لا يُثبتونَ ذلكَ؛ وإنّما يقولونَ: كلامُ الله تعالى هو المعنى القائمُ بنفسهِ، وليسَ بحَرْفٍ وصوتٍ، ولكنّ الله تعالى يخلقُ صوتًا يُعبِّرُ به عن المعنى القائمِ بنفسهِ، ولا شكَّ في بُطلانِ قولهم، وهو في الحقيقةِ قولُ المعتزلةِ؛ لأنّ المعتزلةَ يقولونَ: القرآنُ مَخلوقٌ، وهو كلامُ الله، وهؤلاءِ يقولونَ: القرآنُ مَخلوقٌ، وهو عبارةٌ عن كلامِ الله، فقد اتّفقَ الجميعُ على أنّ ما بينَ دّفَّتَيْ المصحف مَخلوقٌ، ثم لو قيلَ في مسألتنا – الكلامُ في الحديثِ القُدْسِيِّ – إنّ الأَوْلَى تركُ الخوضِ في هذا، خوفًا مِن أنْ يكونَ مِن التنَطُّعِ الهالكِ فاعلُهُ، والاقتصارُ على القول: بأنّ الحديثَ القُدْسِيَّ ما رواه النبيُّ ? عن رَبِّهِ وكفى، لكانَ كافيًا، ولعلّه أَسْلَمُ والله أعلمُ ". ()

وفي مَوضعِ آخر قال:" الأحاديثُ القدسيّةُ لا تَثْبُتُ لها أحكامُ القرآنِ:

-فيجوزُ مَسُّهَا بلا طهارةٍ

-ويجوز للجُنُبِ والحائضِ قراءتها.

-ولا تُقرأُ في الصلاةِ.

-ويَصِحُّ بيعها.

-والسفرُ بها إلى أرضِ العدوِّ.

-ولا يُتعبّدُ بتلاوتها.

-وتُروَى بالمعنى.

واخْتُلِفَ هل هي مَنسوبةٌ إلى الله لفظًا ومعنىً، أو لفظًا فقط؟

والصحيحُ أنّها مِن كلامِ الله معنىً، واللفظُ مِن الرسولِ ?، فاللفظُ مَخلوقٌ والمعنى غيرُ مَخلوقٍ، إذ لو كانت مِن كلامِ الله لفظًا لكانت مُعجزةً؛ لأنّ كلامهُ تعالى لا يُشبه كلامَ البَشَرِ، وأيضًا لو كانت مِن كلامِ الله لما حصلَ الاختلافُ في ألفاظِ روايتها؛ لأنّ كلامهُ تعالى مَحفوظٌ، ولهذا لا يُزاد في القرآنِ ولا يُنقص.

فإنْ قالَ قائلٌ: إنّ النبيَّ ? يَنسُب القولَ فيها إلى الله، وإذا نُسِبَ القولُ إلى قائلهِ كانَ قولاً لهُ لفظًا ومعنى؟

فالجوابُ: أنّ هذا صحيحٌ، وأنّ هذا هو الأصلُ ما لم يمنعَ مِنه مانعٌ، وهُنا قد مَنَعَ مِنه مانعٌ؛ وهو أنّه لو كانَ كلامَ الله لفظًا ومعنىً لَثَبَتَتْ لهُ أحكامُ القرآنِ؛ لأنّ الشريعةَ لا تُفرِّقُ بينَ مُتماثلينِ، ولا غرابةَ أنْ يُنسبَ القولُ إلى قائلهِ باعتبارِ معناه فإنّ جميعَ ما في القرآنِ مِن الأقوالِ المنسوبةِ إلى الرُّسُلِ السابقينَ وأُمَمِهم كلّها مَنسوبةٌ لهم باعتبار المعنى؛ لأنّها بلفظٍ عربيٍّ وتلكَ الأُمَمُ ليسَ لسانها عربيًّا، وأيضًا فإنّ الله يذكرُ القولَ عن قائلهِ بلفظٍ مُختلفٍ لمناسبةِ أسلوبِ القرآنِ؛ كما في قوله عن سَحَرَةِ آل فرعونَ {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِين ? رَبَّ مُوسَى وَهَارُونَ} وقال في آيةٍ أخرى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا ? قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} فقدَّمَ هارونَ على مُوسَى لِتَنَاسُبِ رؤوسَ الآيِ". ()

وفي مَوضعٍ آخر قال:" والبحثُ في الحديثِ القُدْسِيِّ هل هو مِن كلامِ الله لفظًا ومعنىً، أم هو مِن كلامِ الله ? معنىً لا لفظًا؟

فالجوابُ: الأخيرُ أَقْرَبُ، لما يلي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير