تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهكذا أصبح للقرآن صورتان: صورة صوتية وأخرى كتابية، وتظهر الصورة الصوتية من خلال المشافهة التي تلقاها من الوحي وأسمعها صاحبته، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مع كمال فصاحته ومع كونه المصطفى للرسالة تعلم القرآن عن جبريل، وخاصة في السنة التي انتقل فيها إلى الرفيق الأعلى، كان جبريل يعارضه أي يدارسه بالقرآن في كل سنة مرة، ثم عارضه عام وفاته مرتين، والعرض على جبريل معناه تجويد اللفظ وتصحيح إخراج الحروف من مخارجها ليكون سنة في الأمة.

لقد حفظ أصحاب النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- القرآن وتلقوه شفاهاً منه، فهذا ابن مسعود أحد كبار الصحابة وأعلام رواة القرآن وتجويده وتحقيقه وترتيله يقول:

" حفظت من فِيِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بضعة وسبعين سورة".

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبعث إلى من كان بعيد الدار من الصحابة من يعلمهم ويقرئهم ويلقنهم القرآن العظيم.

فبعث مصعب بن عمير وابن أم مكتوم إلى أهل المدينة قبل هجرته يعلمانهم ويقرآنهم القرآن، ولما فتح النبي مكة خلف على أهلها معاذ بن جبل، وكان عبادة بن الصامت يعلم أهل الصفة القرآن، ولما فُتح الشام أرسله عمر بن الخطاب ومعاذا وأبا الدرداء ليعلموا الناس القرآن هناك.

وواضع أن من أحكام القراءة ما لا يمكن إحكامه أبداً إلا بالتلقي الشفهي، فالتفخيم والترقيق والمد والقصر والإدغام و الإظهار والإخفاء والروم والإشمام والإبدال والنقل والإقلاب والحذف والإبات والإحاق والإالة والفتح، وما بيهما وتخفيف الهمزة وما إلى ذلك، وكذلك إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها، ورد كل منها إلى مخرجه وأصله والنطق به على كمال هيئته من غير إسراف ولا تسعف ولا إفراط ولا تكلف لا يحققه إلا الملقن الضابط.

لقد كانت القبائل العربية متعددة اللجات، تتباين في النطق والتعبير كما هي الحال اليوم في أقطارنا العربية، فأقرأهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بلهجاتهم، فكانت اللهجات التي ظهر فيها بعض الخلاف، مما جعل الرجل يسارع إليه حين يختلف مع أخيه في القراءة يستوضح منه الصواب فيجيب: كلاهما على صواب.

لقد كان بين القبائل العربية اختلاف في نبرات الأصوات وطريقة الأداء، فكان فيهم من يضغم ومن يظهر، ومن يخفي ومن يبين، ومن يميل ومن يفتح، ومن يفخم ومن يرقق، ومن يمد ومن يقصر إلى آخر كيفيات النطق المختلفة.

وأمام هذه الفروق التي يصعب على الناس التخلص منها والدين الذي نزل به القرآن يسر دائماً أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يُقْرِئ القرآن بأحرف مختلفة، حيث إن القرآن العظيم قد نزل على سبعة أحرف، تلك هي الصورة الصوتية للقرآن العظيم، حفظها أصحابه عن ظهر قلب، فكيف كانت الصورة المدونة المكتوبة لهذا الكتاب السماوي في الزمن الذي نتحدث عنه، زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

لم يكن تدوين الكتاب أمراً شائعاً في ذلك الزمن، وكانت الكتابة في حواضر الحجاز زمن البعثة قليلة الانتشار، وكانت وسائلها بدائية وغير ميسورة، إلا أن حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على حفظ كلمات الله -عز وجل- قد دفعه على العمل على تدوينها فور نزول، فاتخذ كتاباً يكتبونها أول بأول، يلازمونه في كل مكان يحل فيه ليؤدوا هذا العمل الذي تفرغوا له.

رسمت الحروف الأولى للقرآن الكريم بيد كتاب من قريش في مكة، وكتاب من الأنصار في المدينة، حتى بلغ عددهم ثلاثة وأربعين كاتباً، وقد تشرف بالكتابة الخلفاء الأربعة، وعامر بن فهيرة، وعبدالله بن الأرقم، وأبي بن كعب، وثابت بن قيس بن شماس، وخالد بن سعيد بن العاص، وحنظلة بن ربيع الأسيدي، وشرحبيل بن حسنة وغيرهم -رضي الله عنهم أجمعين- وكان ألزمهم بذلك وأخصهم به معاوية بن أبي سفيان، وزيد بن ثابت الأنصاري.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير