تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأورد الجهشياري في كتاب الوزراء والكتاب، وابن عبد ربه في العقد، والمسعودي في التنبيه والإشراف أسماء الذين كتبوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعلوهم مراتب، وقدروهم منازل، فكتاب يكتبون بين يديه -صلى الله عليه وسلم- فيما يعرض من أموره وحوائجه، وآخرون يكتبون بين الناس المداينات وسائر العقود والمعاملات، وآخرون يكتبون أموال الصدقات، وكاتب يكتب خرص الحجاز، أي: ما على النخل من الرطب، وآخر يكتب مغانم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وثالث يكتب إلى الملوك ويجيب على رسائلهم، ويترجم بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية، وكتاب آخرون يكتبون الوحي.

ثم يعقب المسعودي بقوله: " وإنما ذكرنا من أسماء كتابه -صلى الله عليه وسلم- من ثبت على كتابته، واتصلت أيامه فيها وطالت مدته، وصحت الرواية على ذلك من أمره دون من كتب الكتاب والكتابين والثلاثة، إذ كان لا يستحق بذلك أن يسمى كاتبا ويضاف إلى جملة كتابه.

خُطت حروف القرآن الأولى ورسمت بالحبر على العظام والحجارة، وسعف النخل وجلود الحيوانات الرقوق، وعلى الورق والبردي، وعلى مواد مختلفة، فكيف كانت صورة الحرف والرسم هذه؟

لقد حمل العرب القرشيون أثناء رحلة الشتاء والصيف صورة الحرف من ديار الشام، وكان للأنباط دور كبير في تعليم القرشيين رسوم حرفهم ونهج إملائهم، وقد ظهر ذلك واضحاً جلياً في رسمهم للمصحف وإملائه.

والأنباط هم العرب الشماليون الذين امتدت دولتهم في القرن الرابع قبل الميلاد وما قبله من شمال الجزيرة العربية إلى جنوب الشام، وضمت فلسطين وشرق الأردن ودمشق، وسيطروا على البلاد الآرامية.

وكانت لهم حاضرتان هما سلع أو البتراء، أو الأصح ما كانت تسمى به البتراء قديماً وهي الرقيم، على ما تشهد به الوثائق الأثرية، وما إطلاق البتراء إلا اصطلاح أغريقي، والبتراء وسلع والرقيم تعني الصخرة.

والحاضرة الثانية هي الحجر أو مدائن صالح في الجنوب، وكانت هذه المنطقة حينئذ عامرة بالأشجار والمياه، لقد هيمن الأنباط منذ القرن الرابع قبل الميلاد على طرق التجارة بين جنوب الجزيرة العربية حتى البحر الأحمر، وبين الشام ومصر، وازدهرت مملكتهم بسبب توسطهم الطريق التجاري، إذ كانت البضائع تنتقل من الهند وإفريقيا الشمالية إلى اليمن، ومن اليمن إلى البحر الأبيض المتوسط عن طريق صنعاء، مكة، يثرب، العلا، الحجر، مدائن صالح، فالرقيم البتراء، ومنها كانت توزع إلى مصر و اليونان وإيطاليا والشام، وكانت البضائح خاضعة للرسوم المالية.

لقد ظلت الطريق التجارية بين مكة ويثرب والشام تسلكها القوافل حتى بعد ظهور الإسلام، وقوافل الحجيج أيضاً، وكان عرب الشمال يقيمون في مدائن صالح والبتراء الرقيم في غدوهم ورواحهم، فاقتبسوا منهم أساليب الحياة وطرق الكتابة.

وقد أدى ازدهار مملكة الأنباط وتدفق المال عليها إلى اتباعها في القرن الثاني قبل الميلاد سياسة الغزو، فسيطرت على جميع طرق القوافل التجارية واحتلت دمشق زمن ملكها حارثة الثالث.

لقد تأثر الأنباط بالحضارة الآرامية، وما لبثوا أن تمثلوا هذه الحضارة وابتدعوا حضارة جديدة، ومازالت المباني الضخمة في البتراء ومدائن صالح شاهدة على علو كعبهم في ميدان الفن والعمارة، كما أخبر عنهم القرآن الكريم في قوله تعالى:

? وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ? [سورة الشعراء، الآية 149].

استخدم الأنباط بادئ ذي بدء الآرامية والقلم الآرامي في كتابتهم، وظلت الكتابة الأنباطية مستعملة بعد زوال مملكتهم لعدة قرون، فقد طوروا الخط الآرامي حتى ابتعد عن أصله عبر أدوار ثلاثة استغرقت بضعة قرون، إلا أن فنيت في الدور الأخير لتظهر في كتابة أخرى هي الكتابة العربية.

لقد الحل الأنباط محل الإيدوميين في القرن السادس قبل الميلاد، ومنهم أخذوا اللغة والكتابة الآرامية لاستخدامها في نصوصهم التذكارية وفي تجارتهم الدولية.

إن الكتابة النبطية هي أقدم الكتابات العربية الشمالية، وقد يرجع تاريخها إلى القرن الخامس قبل الميلاد، والكتابة النبطية هي كتابة آرامية سُجلت بلغة عربية، كما يدل على ذلك نص اكتشف في النقب عام تسعة وسبعين وتسعمائة وألف، وقدر زمنه في أواخر القرن الميلادي الأول، ويعرف هذا النص بنقش عبادة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير