تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد كتب المصحف الشريف منذ نزوله بخط رصين وهاجر مع هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومن ثم إلى الكوفة التي أرسى فيها قواعده زمن سيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا علي.

واتخذ من الكوفة نسباً فعرف بالكوفي ورحل مع الفاتحين فشرق حتى دخل الصين، وغرب حتى وصل حدود فرنسا في آيات وسور من الإعجاز.

إن ما كتب من مصاحف في القرون الثلاثة الأولى من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا بقلم واحد أطلق عليه القلم الكوفي، وحمل ذات الصفات بين المشرق والمغرب مع بعض التطور الجمالي في المشرق، ولم تسعفنا الأيام بمصحف كامل من هذا الزمن، وما وصلنا وما تبقى إن هو إلا صحائف متناثرة في خزائن المتاحف العالمية.

لقد أنشأ العرب الكوفة بمقربة من الحيرة عاصمة اللخميين، أنشأها سعيد بن أبي وقاص بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بين عامي سبعة عشر وتسعة عشر للهجرة، وبظهورها فقدت الحيرة والأنبار ما كان لهما من أهمية.

كانت الكوفة أول أمرها معسكراً من الخيام، ثم تحولت بمرور الزمن إلى منتجع دائم شيدت مبانيه باللبن، وما لبثت أن نمت واتسعت باتساع الفتوحات العربية من ناحية الشرق وظلت للمدينة مكانتها العمرانية والسياسية حتى سلبتها دمشق سلطانها السياسي مع زوال خلافة سيدنا علي رضي الله عنه.

ونافستها البصرة منافسة شديدة في ميدان العلوم واتخذها أول الأمر العباسيون عاصمة لهم ولم يقيموا فيها، وبتأسيس بغداد فقدت الكوفة كل ما كان باقياً لها من مكانة، وإن بقيت عمارتها حتى القرن الخامس الهجري وتدهورت بعد ثورات الزنج، وغارات بني مزيد والتتار وعندما زارها ابن بطوطة كانت قد أجهزت عليها قبائل بني خفاجة ولم يبق من عمرانها إلا الأطلال، وتسمية الخط بالكوفي راجع إلى مألوف العرب الأوائل في تسمية الخطوط التي انتهت إليهم بأسماء المدن التي وردتهم منها فعرف الخط قديماً بالنبطي والحيري والأنباري والحجازي والمكي والمدني ثم بالكوفي.

وقد عرف الخط العربي باسم الكوفي؛ لأنه انتشر من الكوفة إلى أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي مصاحباً لانتشار الإسلام، ولقد كان للكوفة نوعان أساسيان من الخط، نوع يابس ثقيل صعب الإنجاز تؤدى به الشؤون الجليلة، وآخر لين تجري به اليد في سهولة، وهذا ما ورد في كتاب الفهرست لابن النديم.

كما وصلتنا وثيقة تثبت ما نقوله وهي ورقة بردية من عامل عمر بن العاص على قرية أهناسيا في صعيد مصر، وهي مؤرخة سنة اثنتي وعشرين هجرية زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكتبت بخط مدني لين أطلق عليه خط التحرير وباللغتين العربية واليونانية ونقرأ فيها .. بسم الله الرحمن الرحيم ..

"هذا ما أخذ عبد الله بن جبير وأصحابه من الجزر من إهناس أخذنا من خليفة تزرق ابن أبو قير الأصغر ومن خليفة اصطف ابن أبو قير الأكبر خمسين شاة من الجزر، وخمس عشرة شاة أخرى، شهر جماد الأولى من سنة اثنتين وعشرين".

ونستطيع أن نميز أيضاً خلال القرون الثلاثة الأولى من الهجرة بين عدة أنواع من الخط الكوفي، بين خط نشأ في الحجاز والشام والعراق، وخط تطور في هارات بإيران وانتقل بعضها إلى بلاد الهند والسند والأفغان والصين وخط ترعرع في القيروان وهاجر لبلاد الأندلس وإفريقيا، وكل واحد منهم يحمل صفات وخصائص جمالية يختلف فيها عن أخيه، كما حملت لنا الوثائق أنماط للخطوط الكوفية عرفت باسم التئن والمثلث والمدور وهي من خطوط المدينة، كما حملت إلينا المشق والتجاويد والمحكم والمحقق والمائل والجلي وهي من صنع بلاد الشام والعراق، ويوجد في دار الكتب المصرية، سبعة وعشرون مصحفاً بخط كوفي محقق رصين، وهي ناقصة من أوائلها وأواخرها وقد كتبت على رق الغزال، ونشاهد من نماذج تلك المصاحف هذه الوثيقة التي نقرأ فيها من نهاية سورة النور وبداية سورة الحجرات.

ونلاحظ الفاصل بين السورتين دون ذكر اسم السورة .. قال تعالى: ? فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ? [سورة الفتح الآية 29] .. وتنتهي سورة النور لتبدأ الكلمات في سورة الحجرات بقوله تعالى:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير