تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 05:44 م]ـ

رحلة القرآن العظيم (4)

ظل أسلوب أبي الأسود الدؤلي في شكل الحروف وضبطها والذي عرف بالنقط في المصاحف متبعاًً حتى ظهر الخليل بن أحمد الفراهيدي في القرن الثاني الهجري.

فابتكر هذا النابغة العبقري أشكالاً جديدة ورموز وصوراً جعلها بدل نقاط الدؤلي الحمراء، ومن أضاف عليها رموز النقاط الخضراء والصفراء وغيرها، وأراح الناس والكتاب من مشقة الكتابة بالألوان، ورغم سهولة أشكال ورموز الخليل فقد رفضها في البداية فريق من المتشددين وظلوا متمسكين بنقط أبي الأسود حتى القرن الخامس الهجري.

حيث تم استبدال خط المصاحف الكوفي المحقق بخط نسخي شامي رشيق، وكان من الطبيعي زوال نقط أبي الأسود عند أهل المشرق وبقائه ببعض الرموز عند أهل المغرب بسبب الخصائص الفنية والفروق التي أملتها طبيعة الخط المشرقي والمغربي.

إن خط الكوفة الرصين يقبل نقط أبي الأسود لاتساع حروفه وتمطيط فراغاته، وبزواله من كتابة المصاحف الشريفة في القرن الخامس الهجري زالت الأشكال والرسوم الخاصة به وبظهور خط النسخ في المصاحف كان لابد من استخدام الأشكال والرموز التي ابتكرها الخليل والتي سار عليها أهل المشرق.

أما أهل المغرب فقد طوروا خط الكوفة اليابسة وحافظوا على بعض قواعده، فكان أن شكل حرفهم ببعض رموز أبي الأسود الدؤلي ورموز الخليل بن أحمد.

إن سطراً واحداً في المصحف المكتوب بخط الكوفة المحقق لا يتسع لأكثر من خمس كلمات، بينما نراه في خط النسخ يتسع لأكثر من عشر كلمات؛ وذلك سبب من أسباب هجران نقط أبي الأسود.

لقد ابتكر الخليل ثماني علامات للحروف الصوتية أبدلها بنقط أبي الأسود وهي الفتحة التي رسمها ألفا مبطوحة فوق الحرف، والخفضة "الكسرة" ألفاً مبطوحةً تحت الحرف، والضمة واواً صغيرة، ورمز للتنوين بعلامتين من جنس الفتحة والخفضة والضمة، إلا أن بعض نساخ المصاحف فيما بعد اتخذوا حرف نون صغير فوق الحرف علامة للتنوين.

ورمز الفراهيدي للسكون برأس حرف الخاء وقد أخذه من كلمة خفيف، واتخذ بعض النساخ حرف الميم علامة للسكون وأخذوها من كلمة جزم.

ومع مرور الزمن ذهب ذيلها وبقي رأسها، أما الشدة فقد اختارها الخليل من الحرف الأول لكلمة شديد ووضعها بدون نقط واعتبرها من علامة الإدغام ورسم الهمزة رأس عين، ووضع للوصل كلمة صل، وللمد كلمة مد، ثم تطور شكل المدة إلى ما نعرفه، وشكل الوصل إلى حرف صاد صغير، وسار سائر أهل المشرق على إتباع هذا النهج والرسم، وخالف أهل المدينة ومن تابعهم من أهل المغرب والأندلس فرسموا الشدة حرف دال فوق الحرف للدلالة على الشدة مع الفتحة وتحت الحرف للدلالة على الخفضة وبشكل مقلوب للدلالة على الشدة مع الضمة، ثم تطور الرسم فاتخذ شكل القوس، ثم تطور فيما بعد إلى الأشكال الحادة الزوايا ورمز المغاربة للضمة حرف راء مقوس وأخذوه من كلمة رفع، وعاشت هذه الأشكال لتدل على خصائص الخط والرسم المصحفي المغربي واستعاروا الرموز الأخرى من المشارقة أصحاب الخليل.

بالرغم من إعادة النقط على حروف المصحف الشريف على يد نصر بن عاصم فإن ابتكار رموز جديدة للحروف خشية التصحيف كانت تسير على أيدي الخطاطين لتكسب الخط العربي جمالاً وجلالاً فابتدعوا علامة الميزان ووضعوها فوق حرفي الراء والدال للتفريق بين الدال والزاي.

ثم أضافوها لحرف السين للتمييز بينه وبين حرف الشين، ووضعوا داخل حرف الكاف المفرد الأخير حرف كاف صغير للتفريق بينه وبين حرف اللام، وتطور الشكل مع الأيام وصغر حتى أصبح كالهمزة.

إن هذا الإصلاح في طريقة رسم الحروف ونطق الكلمات كان الدافع إليه الرغبة الصادقة في المعاونة على تلاوة صحيحة وفهم لكتاب الله عز وجل وهكذا تحددت معالم صورة المصحف الشريف كما نعرفه اليوم.

ارتبط الخط العربي بالإسلام ونشأ وتطور في رحاب القرآن ونظر المسلمون إلى الحرف نظرة حب واحترام وسخروا معارفهم لخدمة كتاب الله عز وجل وارتفعوا به إلى مراتب أعلى مراتب الجمال، وتزخر متاحف العالم اليوم بروائع من المصاحف التي تنبئ عن رحلة طويلة يحكي فيها الحرف عن أسراره وعن مكنونات تطوره عبر هذا الزمن الطويل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير