تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن أقدم نص كتب على الرق يعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد كما أن هناك نص آخر يعود للقرن التاسع قبل الميلاد في بلاد الرافدين يوضح أهمية استعمال الرق في الكتابة ويطلق على الرق المدبوغ دباغة جيدة اسم "بارشمان" ويعنى الوثيقة، وأفضل الجلود المستعملة في هذه الوثائق ما كانت من جلود الحيوانات الصغيرة كالغنم والماعز، وأرقاها رق الغزال حيث يؤخذ الجلد فينقع في ماء الجير خمسة أيام ثم يحلق ويشد ويترك ليجف تماماً، وينتقل ويقطع إلى مربعات ومستطيلات وكان يكتب على وجهيه وفي حال الغلط أو الاستغناء عن النصوص يمحى ويكتب عليه مرة أخرى.

يذكر ابن النديم في كتابه الفهرست أن الفرس اعتادوا على الكتابة على جلود الثيران وجلود الأغنام وتوجد منها نماذج عديدة في بعض المجموعات الخاصة في فيينا.

وللتفريق بين الرق العادي الذي يكتب عليه والرق الخاص للدولة ابتكر المسلمون طريقة جديدة وهي صبغ الرق بمادة الصفران، وعملت الدوائر الحكومة في العراق على إتباع هذا النهج والنمط وأخذوا يلونون الرق المستعمل لدوائر الدولة بألوان صفراء أو زهرية.

كما يصف ابن النديم الطريقة المستعملة للكتابة على الرق فيقول: إنها كانت تنعم بالمبرد مما يجعلها تجف وتيبس بسرعة، إن التجارب والأبحاث في عملية دباغة الجلود تطورت في عهود الدولة الإسلامية الأولى حتى أصبحت أكثر رقة ويرجع اصطلاح الرق إلى سماكة الجلد وكان الرق يغسل أحياناً وينظف مرتين أو ثلاثة ثم يبيض ويستعمل لكتابة القرآن الكريم.

لقد استعمل القرشيون الرق وجلبوه من بلاد الشام في رحلتا الشتاء والصيف، ولما كان الإسلام وكانت الحضارة تطورت أحجام وأشكال الرقوق وسارت الكوفة ودمشق مهد صناعة الرق الجميل.

وأدخل الخليفة الأموي معاوية رضي الله عنه استعمال الرقوق في دوائر الدولة وكذلك الخلفاء العباسيون من بعده، وكانت دمشق زمن الأميون وجهة الصناع والحرفيون فأنشأت مصانع الرقوق والدباغة، ونشط الخطاطون فكتبوا مئات المصاحف التي حملها الجنود معهم خلال الفتوحات مشرقين ومغربين لينشروا ويعلموا كتاب الله ويبلغوا رسالته إلى أقصى نقطة في المعمورة حطت عليها قدم.

امتدت الفتوحات بعد نهاوند في إيران وأذربيجان وما وراء النهر، وامتد سلطان الدولة الإسلامية حتى شمل خرسان وسائر بلاد فارس حتى حدود الفرس ولم يمضي القرن الهجري الأول حتى كانت مدن بلخ وهارات وبوشيخ وبخارى وإقليم ساجستان ومقاطعة سنكيانك وكشكر في الصين تدين بالإسلام وتقرأ القرآن.

وكان المصحف الشريف المخطوط بالقلم الكوفي المحقق الرصين وبالرسم العثماني يبهر الأنظار ويحير العقول ويحيي القلوب.

ولعب الفن دوره في كتابة المصحف وتطوير خط الكوفة المحقق فتولدت منه خطوط جديدة في أقصى المشرق وكانت هارات معقل الفن في ذلك الوقت.

لقد أحس الخطاط في بلاد ما وراء النهر أنه يكتب كلاماً مقدساً، فشعر بالرهبة والعظمة فجند أحاسيسه بمعالم إدراكه إلى سبر غور الحرف وامتدت يده إلى الحرف العربي مغرقاً في صفاء نفسي بكلام خالقه، وبدأت التغيرات والتطورات في مسيرة الحرف الكوفي المشرقي، ونبصر في المصحف المحفوظ في مكتبة جامعة اسطنبول تجسيم الفوارق التي بدأت تظهر على الخط الكوفي المحقق التقليدي.

كما نلاحظ قواعد أبو الأسود الدؤلي في التشكيل بالنقط الحمراء لدلالة الفتحة والخفضة والرفع وفيه الهمزة والشدة والمد بلون أخضر على طريقة الخليل وهناك دوائر سوداء لتدل على الروم والإشمام.

والروم هو الإتيان ببعض حركة الحرف بصوت خفي ويكون في الخفض والرفع ويأتي مع القصر والإشمام إطباق الشفتين بعد إسكان الحرف بغير صوت ويكون مع المد، وسنفرد حلقة رموز التجويد عبر التاريخ فيما بعد إن شاء الله لقد اختلطت إشارات الروم والإشمام هذه بعلامة الجزم فحذفت من المصاحف بعد ذلك، وفي المصحف دائرة تدل على انتهاء عشر آيات وهو التعشير كما أسلفنا ورسمت مع رأس السورة بالذهب وتبدأ الصفحة بقوله تعالى: من نهاية سورة الحج:

? وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ? [سورة المؤمنون الآية 78] ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير