تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد قدم الآراميين أعظم إنجاز في بناء صرح الحضارة العربية قبل الإسلام، وتمثل هذا الإنجاز في لغتهم التي غزت أقاليم المنطقة العربية في غرب آسيا وفي مصر أيضاً، ممهدة في ذلك إلى انتشار اللغة العربية.

إن التداول العربي قبل الإسلام في الجزيرة للألفاظ الآرامية ومعانيها لدليل على غنى الأرامية وعلى أن حكمة الله - سبحانه وتعالى- قد هيأت الآرامية والأنباطية تمهيدًا لكتابه العزيز.

ولئن استعمل العرب لفظ قرأ الآرامي بمعنى تلا فإن استعماله في تسمية الكتاب العظيم لكافٍ لئن يجعله عربي الجذر والنشأة.

ومن أسماء القرآن العظيم الفرقان قال تعالى: ? تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) ? [الفرقان: 1] لفظ القرآن في الأصل آرامي وتفيد مادته معنى التفرقة كأن في التسمية إشعارًا بتفرقة هذا الكتاب بين الحق والباطل.

ومن أسماء القرآن العظيم أيضاً الذكر، قال تعالى: ? وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ ? [الأنبياء: 50] ولفظ الذكر عربي خالص معناه الشرف، ومنه قوله تعالى: ? لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ? [الأنبياء: 10] ومنها التنزيل: ? وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) ? [الشعراء: 192] وهو عربي خالص.

هذه الأسماء هي الشائعة المشهورة للقرآن العظيم والقرآن العظيم في الاصطلاح الشرعي: هو الكلام المعجز المنزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- المكتوب في المصاحف المنقول عنه بالتواتر المتعبد بتلاوته.

شاء الله تعالى أن يستمر الوحي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مدة بعثته يعلمه في كل مرة شيئًا جديًا ويرشده ويهديه ويثبته ويزيده اطمئنانًا وكان مظهر هذا التجاوب نزوله منجمًا بحسب الحاجة خمس آيات وعشر آيات وأكثر وأقل، ولذلك قسم القرآن إلى تخميس وتعشير ووضعت علامات لذلك، وقد صحَّ نزول عشر آيات في قصة الإفك جملة واحدة وقد صح نزول عشر من أول سورة المؤمنون جملة واحدة وصح نزول: ? غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ? وحدها وهي بعض آية في سورة النساء في الآية الخامسة والتسعين في قوله: ? لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ? [النساء: 95] بهذا الشكل وبهذه الطريقة ظل القرآن العظيم ينزل نجومًا ليقرأه النبي -صلى الله عليه وسلم- على مكث ويقرأه الصحابة شيئًا بعد شيء يتدرج مع الأحداث والوقائع والمناسبات الفردية والاجتماعية التي تعاقبت في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- خلال ثلاثة وعشرين عامًا.

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (بُعِثَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أُمِرَ بالهجرة عشر سنين ومات وهو ابن ثلاث وستين)

بدأ نزول القرآن العظيم في رمضان في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجمًا في أوقات مختلفة، قال تعالى: ? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) ? [القدر: 1] وقال تعالى: ? وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ? [الإسراء: 106]، وقال تعالى ? شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ? [البقرة: 185]، إن نزول القرآن العظيم تدرجًا كان مثار اعتراض المشركين الذين ألفوا وتعودوا أن يسمعوا القصيدة الشعرية جملة واحدة، وسمع بعضهم من اليهود أن التوراة نزلت جملة واحدة، فأخذوا يتساءلون عن نزول القرآن نجومًا وودوا لو ينزل كله مرة واحدة، قال سبحانه وتعالى: ? وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (32) وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) ? [الفرقان: 32: 33].

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 07:29 م]ـ

رحلة القرآن العظيم (13)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير