إن كلمتي الكتاب والقرآن تعودان إلى أصل آرامي فالكتابة في الآرامية بمعنى رسم الحروف والقراءة بمعنى التلاوة وهذا يدل على امتياز الوحي بازدواجية الكتابة والقراءة في حفظ كلام الله - سبحانه وتعالى- المنقوش في السطور المحفوظ المجموع في الصدور.
لقد غلب لفظ القرآن على الكتاب وغيره من فرقان وذكر وتنزيل، وما ورد عن الزركشي في تعداد أسماء القرآن إذ بلغت خمسة وخمسين اسمًا لأن كلمة القرآن ٍأصبحت علمًا شخصيًا للكتاب العظيم.
ولابد أن نقف عندها لنعرف مصدر اشتقاقها ونردها إلى اللغة السامية الأم ونطلع على الألفاظ المشابهة لذات المعنى.
لقد ذهب العلماء في لفظ القرآن مذاهب شتى، فبعضهم يراه مهموزًا وبعضهم غير مهموز، كالشافعي والفراء والأشعري، فالقرآن عند الشافعي لم يؤخذ من قرأت ولكنه اسم خاص للقرآن مثل التوراة والإنجيل.
وعند الفراء مشتق من القرائن جمع قرينة، لآن آياته يشبه بعضها بعضاً، وعند الأشعري مشتق من قرن الشيء بالشيء إذا ضمه، لأن السور والآيات يضم بعضها بعضًا.
وممن رأى أن لفظ القرآن مهموز الزجاج واللحياني وجماعة غيرهم.
يقول الزجاج: لفظ القرآن مهموز على وزن فُعلان مشتق من القرء بمعنى الجمع.
ويقول اللحياني: إنه مصدر مهموز بوزن الغفران مشتق من قرأ بمعنى تلا، ورأي اللحياني هو الصائب فالقرآن هو مصدر القراءة قال تعالى: ? إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ? [القيامة: 17: 18].
ولقد عرف العرب لفظ " قرأ " ولكنهم استخدموه بغير معنى التلاوة، فقولهم الناقة لم تقرأ أي لم تحمل ولم تلد ولداً، وأما " قرأ " بمعنى تلا فقد أخذها عرب الجزيرة عن الآرامية وتداولوها، والآرامية تركت في العربية آثارًا وألفاظًا لا تنكر، لقد كانت الآرامية في الألف الأول قبل ميلاد السيد المسيح لغة التجارة والدبلوماسية وكان للآراميين دور فريد في الثقافة في بلاد الشرق القديم ولغتهم أوسع اللغات انتشارًا، وقد أصبح لها مع الزمن مجموعة من اللهجات منها الإمبراطورية الدولية التي نشأت في الإمبراطورية الآشورية ثم البابلية الجديدة الكلدانية والفارسية، وآرامية العهد القديم في التوراة والآرامية الفلسطينية المسيحية والآرامية السامرية والآرامية البابلية التي كتب بها التلمود البابلي.
والآرامية النبطية والآرامية التدمرية وآرامية كتابات الحضر، وعبر الآراميين أيضاً انتشرت كتابات الأبجدية الفينيقية الكنعانية وفي الإمبراطورية الشرقية كانت الآرامية بجانب اليونانية وفي بلاد فارس كانت الآرامية اللغة الرسمية في العهد الإخميني، وفي العصر الساساني استعار الفرس الكتابة الآرامية لكتابة لسانهم البهلوي، وكانوا يكتبون الكلمات بالآرامية ويلفظونها بالفارسية ولم تزل الآرامية حية حتى اليوم وهي السريانية العامية وهي غير مكتوبة ويتكلمها سكان قرى معلولة وجبعدين ونجع قرب مدينة دمشق.
لقد قدم الآرميين إلى سورية من الجزيرة العربية حوالي الألف الثاني قبل الميلاد واستقروا فيما بين دمشق وجبال توروس، وأسسوا عددًا من الممالك منها مملكة دمشق وهي أقوى الممالك، ومملكة سوبا في البقاع ومملكة حماة وغيرها.
إن ظهور الآراميين على مسرح التاريخ قبل الإسلام كان له الأثر الأكبر في توحيد المنطقة العربية حضاريًا لغة وفنًّا وفكرًا ولم يدرس تاريخهم حتى يومنا هذا من خلال الوثائق، والوثائق توضح الجوانب المظلمة من تاريخنا الحضري الذي سبق الإسلام.
وإن معظم من كتب وأرخ للآراميين اعتمد في كتابته على مصدرين رئيسيين هما التوراة والمصادر الأشورية وكتاب التوراة والأشوريون هم ألد أعداء الأراميين إن اعتماد التوراة مصدرًا تاريخيًا سليمًا هو من أخطر المخاطر فأحداثه دونت بعد زمن وقوعها وفي وقت متأخر جدًّا، وما ورد فيه من نصوص هو وصف لجوانب عدة من تراث منطقتنا العربية قبل الميلاد، وهو جزء من تراثنا القديم فلابد من التمحيص والتدقيق فيما ورد فيه، ولابد أن نعلم أن صلات اليهود القديمة مغرقة في العداء للآراميين، ونشبت بين الطرفين معارك عسكرية طاحنة، وتزعمت مملكة دمشق الدفاع عن الأراضي السورية وألحقت الهزيمة بمملكة إسرائيل في عهد الملك الآرامي حزائيل.
¥