تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما ينبغي لأهل العلم أيضا –إذا أفتوا أو أرشدوا- أن يذكروا أدلة القرآن والسنة لفتاويهم ومواعظهم، ليقربوا المسلمين إلى أصل دينهم ويذيقوهم حلاوته، ويعرفوهم منزلته، ويجعلوه منهم دائماً على ذكر، وينيلوهم العلم والحكمة من قريب، ويكون لفتواهم ومواعظهم رسوخ في القلوب، وأثر في النفوس. فإلى القرآن والسنة –أيها العلماء- إن كنتم للخير تريدون.

الفرع الثالث:

المجتهد إذا أفتى مستنداً إلى ما يفيد الظن من أخبار الآحاد، أو الأقيسة أو النصوص الأخرى الظنية الدلالة – هل هو متبع لغير العلم؟

الجواب لا؛ بل هو متبع العلم، وذلك من ثلاثة وجوه:

الأول: أن كل دليل يكون ظنياً بمفرده –يصير يقيناً إذا عرض على كليات الشرع ومقاصده، وشهدت له الصواب، وهذا هو شأن المجتهدين في الأدلة الفردية.

الوجه الثاني: أن المجتهد يعتمد في الأخذ بالأدلة الظنية لما له من العلم بالأدلة الشرعية الدالة على اعتبارها.

الوجه الثالث: أن تلك الأدلة بمفردها تفيد الظن القوي، الذي يكون جزماً ويسمى –كما تقدم- علما، فما اتبع المجتهد إلا العلم.

الفرع الرابع:

لا تعتمد في إثبات العقائد والأحكام على ما ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم من الحديث الضعيف؛ لأنه ليس لنا علم به. فإذا كان الحكم ثابتاً بالحديث الصحيح مثل قيام الليل، ثم وجدنا حديثاً في فضل قيام الليل يذكر ثواب عليه مما يرغب فيه –جاز عند الأكثر أن نذكره مع التنبيه على ضعفه الذي لم يكن شديداً على وجه الترغيب. ولو لم يكن الحكم قد ثبت لما جاز الالتفات إليه، وهذا هو معنى قولهم: (الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال)، أي في ذكر فضائلها المرغبة فيها لا في أصل ثبوتها. فما لم يثبت بالدليل الصحيح في نفسه، لا يثبت بما جاء من الحديث الضعيف في ذكر فضائله، باتفاق من أهل العلم أجمعين.

الفرع الخامس:

أحوال ما بعد الموت كلها من الغيب، فلا نقول فيها إلا ما كان لنا به علم: بما جاء في القرآن العظيم، أو ثبت في الحديث الصحيح. وقد كثرت في تفاصيلها الأخبار من الروايات مما ليس بثابت، فلا يجوز الالتفات إلى شيء من ذلك. ومثل هذا كل ما كان من عالم الغيب مثل الملائكة والجن والعرش، والكرسي، واللوح، والقلم، وأشراط الساعة، وما لم يصل إليه علم البشر.

سؤال الجوارح يوم الهول الأكبر:

{إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً}. من قال ما لم يسمع، سئل يوم القيامة سمعه فشهد عليه. ومن قال: رأيت ولم ير سئل بصره فشهد عليه. ومن قال: عرفت، ولم يعرف، أو اعتقد ما لم يعلم، سئل فؤاده فشهد عليه: لأنه في هذه الأحوال الثلاثة قد اتبع ما ليس به علم. وهذه الشهادة كما قال تعالى: {يوم يشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} (النور: 2) هذه الثلاثة تسئل على وجوه منها ما تقدم، وهو الذي يرتبط به هذا الكلام بما تقدم من النهي.

ومنها سؤال السمع: لم سمع ما لا يحل؟ ولم لم يسمع ما يجب؟

وسؤال البصر: لم رأى ما لا يحل؟ وعن جميع أعمال البصر، من نظر البغض والاحتقار ونحو ذلك؟ وسؤال الفؤاد: عما اعتقد؟ وعما قصد؟ وجميع أعمال القلوب؟

فوائد ختام الآية:

فختام لطرق العلم، وتنبيه على لزوم حفظها واحدة واحدةً. وترهيب للإنسان من اتباع ما لم يعلم بما يؤول إليه أمره من فضيحة يوم القيامة، وخزي بشهادة جوارحه عليه. فالله نسأل أن يجعلنا متبعين للعلم في جميع ما نعمل، ويثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.


المصدر: موقع الإمام ابن باديس http://www.binbadis.net/Benbadis/madjalis.htm

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير