إن التفسير وعلوم القرآن لا يمكن أن يؤخذ كاملاً في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، بل سيكون في الأمر اختيار، وهذا الاختيار أليس حقيقًا بأن يُنظر فيه وتعدَّ له الأهداف والخطط؟
أليس حقيقًا بأن تكون لهذه الاختيارات علل مكتوبة من قِبَل من كتب هذه المناهج ليكون التالي على بيِّنة مما عمل الأول، وأن يعرف سبب ذلك الانتقاء، فالقائمون على المناهج يدرسون اختيارهم وتكون بينهم جلسات عاصفة بالتفكير والتحليل والنظر فيما يناسب تلك المرحلة العمرية التي ينتقون لها المناهج، وإذا لم تُكتب علل تلك الاختيارات فإنه يذهب جزء مهم من بناء المناهج.
ومما له علاقة بموضوع المناهج أمورٌ،منها:
1 ـ تكرار موضوعات علم قائم بنفسه في مادة أخرى يمكن الاستغناء عنها بأصل ذلك العلم ودراسته، ومثال ذلك مادة (آيات الأحكام) التي تكون ـ في الغالب ـ آيات مختارة، وعلى تكوين هذه المادة ملاحظات، منها:
أولاً: أن الأخذ بالآيات واجتزاءها من سياقها ليس منهجًا جيدًا، ولا يعطي صورة واضحة للتفسير.
فإن قلت: إنما الغرض بيان الأحكام لا التفسير.
فالجواب: إن بيان الأحكام لا يؤخذ من آيات الأحكام؛ لأن ما فيها جزء من أحكام الشريعة، ولابد من السنة في هذا، وهذا ما عمله الفقهاء من النظر في هذين الاصلين وترتيب أبواب الفقه على ماورد فيهما، ومعنى هذا أن كتب الفقه هي الأولى ببيان الأحكام وآيات الأحكام، وليس كتب (آيات الأحكام).
وإذا نظرت إلى تقريرات كتب الأحكام وجدتها تقريرات فقهاء، ولا يذكر فيها مفسرون إلا إذا كان لهم رأي فقهي، وهذا يعني أنهم يُعدون في طبقة الفقهاء وإن كانوا تميزوا بالتفسير كجمع من علماء الصحابة والتابعين، وكالطبري وغيره من المفسرين.
فإن قلت: إذن كيف يمكن أن نُدرِّس الطالب آيات الأحكام؟
فالجواب: إنما يكون ذلك بأخذ سورة كاملة تتضمن أحكامًا؛ كسورة النساء، وسورة النور، وسورة الطلاق، وغيرها.
وبهذا يمكن الجمع بين الأمرين:
الأمر الأول: إعطاء التفسير حقه وحظه من التفهيم والتدريس.
الأمر الثاني: بيان منازع الأحكام من الأدلة، واستعراض آراء الفقهاء في ذلك.
وبهذا يكون جمع بين الحسنيين، فلا يقع إغفال جانب التفسير بسبب اعتماد جانب الفقه.
ثانيًا: إن الطالب يأخذ فقه آيات الأحكام أخذًا مبسوطًا في مادة الفقه، ولا معنى لتكرارها عليه هنا؛ إذ لا ثمرة في عرض آيات الأحكام سوى النظر في اختلاف الفقهاء في انتزاع الأحكام، ثم الرأي الراجح، وذلك يأخذه مبسوطًا في أصول الفقه وفي علم الفقه.
2 ـ عدم الاستفادة المثلى من التداخل الشديد في العلوم؛ لذا تجد أن العلم الذي سبق بالتأليف يسيطر على مباحث علوم القرآن المشتركة، وتختفي خصائص هذه الأنواع في التطبيقات القرآنية.
وإذا نظرت إلى أنواع علوم القرآن فإنه يمكن تقسيمها إلى أقسام ثلاثة:
القسم الأول: علوم القرآن التاريخية، ويدخل في ذلك كل علم له صبغة تاريخية مثل النشأة والتطور والكتب، ومثل المكي والمدني وأسباب النزول وغيرها، ويربط بين هذه العلوم أنها منبثقة من القرآن ولا يمكن دراستها في غيره لاختصاصها به.
القسم الثاني: علوم القرآن المرتبطة بالدلالة اللفظية الأصولية، كالعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، وغيرها.
القسم الثالث: علوم القرآن ذات الصبغة العربية والأدبية؛ كالنحو القرآني البلاغة القرآنية، وغريب القرآن، وإعجاز القرآن، وتوجيه متشابه القرآن اللفظي، والقصص، والأمثال، وغيرها.
والمشكل في هذا هو ما يتعلق بالعلوم المتداخلة، وعلى وجه الخصوص العلوم المرتبطة بعلم الأصول من النسخ والعموم والإجمال والإطلاق والمنطوق والمفهوم، إذ إنها تُدرس في كتب علوم القرآن دراستها في كتب أصول الفقه التي تُعنى بالتنظير للأحكام الفقهية، فتكون أغلب أمثلتها مرتبطة بالأحكام الفقهية، مع أنه يمكن إيجاد أمثلة في الأخبار، فتكون تفسيرية بحتة، فمثال المنطوق والمفهوم في الأخبار الاستدلال برؤية الباري من قوله تعالى (كلا إنهم عن ربهم يومئذلمحجوبون) فمنطوقها يدل على حجب الكفار عن رؤية الله تعالى، ومفهومها يدل على رؤية الأبرار.
3 ـ مما يحسن التنبه له أنَّ مجال التطبيقات في علوم القرآن مجال رحب جدًا (سواءٌ في القرآن أو في كتب التفسير)، وهو أنفع من كثير من التنظيرات، وبقاؤه في أذهان الطلاب أكبر من بقاء كثيرٍ من المعلومات النظرية، بل فيه دعوة إلى تدبر القرآن وتأمله، وذلك مطلب يتفق عليه الجميع.
ومع ذلك فإنك لا تجد في مناهجنا القصد إلى ذلك، وأغلب ما يقع من ذلك يكون باجتهاد الأستاذ.
والمقصود من ذلك أن يقع النص في مناهجنا على ذلك، وتذكر له بعض الأمثلة ليهتدي إلى الفكرة من لم يكن له بها بصر.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[02 Jun 2007, 10:30 م]ـ
أستسمح الدكتور مساعد الطيار بطرح بعض الملاحظات رغبة في توسيع دائرة النظر:
1 - أرى ضرورة الاستفادة من تجارب الجامعات غير الدينية، ليس في العالم العربي فقط، وإنما أيضا في الدول الغربية، نظرا لتقدمها الكبير في طرح موضوع (توحيد المناهج)، وإن كنت أرى من خلال تجارب كليات الإدارة في أمريكا الشمالية، صعوبة توحيد المناهج، وقصر الجهد على التنسيق والتأكد من عدم تعارض المناهج.
2 - في تقديري، فإن الأولى هو التوجه إلى توحيد الأهداف والتوافق على قواعد عامة مساعدة على تحقيق هذه الأهداف، مع الاهتمام بوضع آليات وأطر لقياس مردودية الجامعات وومدى نجاحها في تحقيق الأهداف المرحلية.
في كليات الإدارة على المستوى الدولي، مثلا، تم تطوير جهاز إشراف أكاديمي دولي يشرف على نظام تقييم جودة المناهج وقياس مردوديتها عوضا عن مطالبة الجامعات باعتماد نفس المنهج. وهذا الجهاز يقوم كل سنتين بتجميع المعطيات الإحصائية من كليات الإدارة على المستوى الدولي، ويقوم بتحليلها ومقارنتها، ثم يقوم بترتيب الكليات ومنح أفضلها شهادة جودة تسمى اختصارا AACSB تشهد لمناهج الكلية الممنوحة بانسجامها مع المعايير العلمية المتوافق عليها دوليا.
¥