4 - جاء في قوله تعالى في سورة البقرة: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوفى بعهدكم وإياي فارهبون) وجاء تفصيل العهدين المتقابلين في قوله تعالى في سورة المائدة: (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنيْ عشر نقيباً وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً، لأكفرنّ عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل) المائدة/12.
ولم يكتف السلف الصالح باللجوء إلى تفسير القرآن بالقرآن من خلال مصنفاتهم، بل جمعوا الآيات التي تتحدث عن شيء واحد في مؤلفات مستقلة وتحدثوا عن تفسيرها ما يدفعنا إلى القول: إن هذه المؤلفات تشكل النواة الأولى لما نطلق عليه اليوم التفسير الموضوعي.
أ- فصنيع الفقهاء رحمهم الله تعالى بجمع النصوص المتعلقة بالصلاة تحت عنوان (كتاب الصلاة) والآيات والأحاديث التي تتعلق بالزكاة والحج والمواريث وغيرها.
كل ذلك يعتبر نواة للتفسير الموضوعي.
ب-كما أن صنيع اللغويين يعتبر لوناً من ألوان التفسير الموضوعي فمثلاً:
كتب الأشباه والنظائر لمقاتل بن سليمان البلخي المتوفى 150.هـ.
نزهة الأعين النواضر في علم الوجوه والنظائر لابن الجوزي المتوفى 597هـ.
إصلاح الوجوه والنظائر للدامغاني المتوفى 478هـ.
وكلها تتحدث عن كلمات قرآنية اتحدت في اللفظ واختلفت في الدلالة.
جـ-ولون ثالث من المؤلفات تعتبر من الخطوات الأولى في التفسير الموضوعي مثل كتب:
الناسخ والمنسوخ التي جمع فيها مؤلفوها الآيات التي اعتورها النسخ مثل كتاب الناسخ والمنسوخ لابي عبيد القاسم بن سلاّم المتوفى 224هـ.
و كتب أحكام القرآن للجصاص وابن العربي والكياّ الهراسي في القرن الرابع والخامس للهجرة وكذلك كتب مشكل القرآن، ومجاز القرآن، وأقسام القرآن وأمثال القرآن.
كل ما تقدم وغيره يعطينا دلالة واضحة، على أن تفسير الآيات المتعلقة بموضوع واحد أو يضمها إطار واحد، ثم الحديث عنها، قام به سلف الأمة.
واليوم توضع ضوابط ومناهج لمثل هذا العمل تحت مسمى التفسير الموضوعي.
ولا غرابة أن يوجد العلم ويُماَرس عملياً قبل أن يطلق عليه مصطلح أو عنوان فعلم الاستنباط من الأدلة الشرعية مارسه صحابة رسول الله صل1 ومن بعدهم وقعّد قواعده الإمام الشافعي في نهاية القرن الثاني للهجرة.
وعلم قواعد اللغة العربية (النحو والصرف) طبقه العرب في جاهليتهم وفي الإسلام إلى أن وضع نواته الإمام علي وأبو الأسود الدؤلي-رضي الله عنهما- في القرن الأول للهجرة وعلم العروض مارسه الشعراء في الجاهلية والإسلام إلى أن وضع بحوره خليل بن أحمد الفراهيدي. إذن نستطيع القول: إن نواة التفسير الموضوعي، وممارسة العلماء له قديمة ولكن برزت الحاجة إليه في عصرنا هذا لأكثر من سبب.
السبب الأول: مجاراة الأحداث والوقائع المتجددة في حياة الإنسان: من المعلوم أن نصوص الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة محدودة العدد، ...
والأحداث والوقائع متجددة مستمرة، فمن المستحيل أن نجد نصاً على كل حادثة في حياة الناس.
- ولكن النصوص الكريمة من الكتاب والسنة قد نصت على المباديء والقواعد العامة التي يمكن استنباط الأحكام منها، لتغطي هذه الحالات المستجدة. وهذا سر عظمة التشريع الإسلامي وخلوده واستمراره.
- إن إدراك مقاصد الشريعة الإسلامية من خلال نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، يعطي العالم الفقيه زاداً لا ينفذ وثروة لا تنتهي، لمعرفة حكم الإسلام في كل قضية مستجدة. ولا يتم له ذلك إلا عن طريق التفسير الموضوعي فالتفسير الموضوعي كما عرّفه بعضهم:
(هو علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر).
- من خلال علل النصوص وهداياتها العامة ودلالاتها وظلالها، يستطيع الباحث أن يصل إلى أنوارٍ كاشفةٍ ترسم له الطريق، وتحدد معالم الرؤية الشرعية لكل مستحدث جديد. وبالتالي يدرك معالجة الإسلام لكل مشكلة أو معضلة معاصرة.
السبب الثاني: إن علوماً وقضايا نعايشها، ولها وجود فاعل في حياتنا، بل قوام الأمم والشعوب المعاصرة عليها. فلا بد من تأصيلها، وصياغة نظرية إسلامية لها. فمثلاً علم الاقتصاد:
¥