يحتار كثير من علمائنا المعاصرين في تصنيف الاقتصاد الإسلامي هل هو اقتصاد حر أو اقتصاد موجه.
إن علم الاقتصاد والنظريات الاقتصادية المعاصرة تلعب دوراً في تحديد مصير الأمم والشعوب، وقد شهد القرن الماضي – القرن العشرون – إنهيار دول، وتخلف دول عن ريادة التقدم الحضاري بسبب فشلها الاقتصادي وقفزت دول إلى مقدمة الدول التي تسمع لها كلمة بسبب ازدهارها الاقتصادي.
لا يكفي مطلقاً كلما قلنا الاقتصاد الإسلامي: أن نرجع إلى كتاب الخراج لأبي يوسف أو كتاب الأموال لأبي عبيد.
إن الاقتصاد الإسلامي له ملامحه الخاصة كما هو الشأن في كل التشريعات الإسلامية، فلا مكان للربا، ولا مكان للغش والخداع والاستغلال ولا مجال لإتلاف الثروات بقصد الحفاظ على الأسعار العالمية المرتفعة.
إن صياغة نظرية للاقتصاد الإسلامي، تحتاج إلى علماء راسخين في علوم الشريعة الإسلامية. وفي نفس الوقت راسخين في علم الاقتصاد المعاصر. وعلى ضوء نصوص القرآن الكريم وهدايات السنة النبوية المشرفة، ومقاصد الشريعة العامة، يستطيعون أن يحددوا معالم النظرية الإسلامية في الاقتصاد.
ومثال آخر: الإعلام:
إن النظريات السائدة في الإعلام المعاصر، منطلقاتها الترويج للاستهلاك، وإشباع الغرائز البهيمية المنحطة، والدعوة إلى ترسيخ الحكم للسلطة الحاكمة.
أما الجوانب الثقافية أو العلمية أو الدعوية. فلا تأخذ إلا حيزاً محدوداً جداً فهل هذا الواقع للإعلام يتناسب مع تطلعات الأمة الإسلامية وعقيدتها وأهدافها ...
إذن فما النظرية الإسلامية للإعلام. وما منطلقاتها وما أهدافها وما وسائلها ...
مثال ثالث: علم النفس:
إننا في غفلة عن الثروة القرآنية والكنوز الهائلة في الحديث عن النفس الإنسانية ولقد أبدع علماؤنا من السلف الصالح كالإمام الغزالي وعبد القادر الجيلي أو الجيلاني وابن القيم وغيرهم في الكشف عن أسرار النفس الإنسانية، وكانت منطلقاتهم القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وعصرنا الحاضر عصر التقعيد والتأصيل ضمن أطر عامة.
إننا بحاجة اليوم لتأصيل هذه العلوم وغيرها على ضوء الكتاب والسنة.
إن البشرية ستبقى في شقاء وتعاسة ما دامت تجارب علماء النفس تجرى على الفئران والقردة .. ثم يحاولون تطبيقها على البشر.
إنهم سيبقون عاجزين عن الوصول إلى حقائق النفس البشرية لأنهم لم يدخلوا البيوت من أبوابها، ولم يستخدموا في فتح الأبواب المفاتيح المناسبة.
- إن الدخول إلى عالم النفس البشرية لا يكون إلا عن طريق بوابة الوحي الإلهي عن طريق الكتاب والسنة، فالذي خلقها وأودع فيها أسرارها هو الذي أخبر عنها وتحدث عن أحوالها، (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك/ 14.
هذه نماذج للعلوم التي فرضت نفسها في واقع حياتنا، وتحتاج إلى تأصيل إسلامي لها.
السبب الثالث: تصحيح مسار بعض العلوم الإسلامية:
هنالك علوم إسلامية عريقة، وكتب فيها الأوائل، ولكنها أخذت منحى معيناً يحتاج إلى تعديل في مساره، فمثلاً:
- علم التاريخ: منذ أن كتب الواقدي مغازيه والطبري تاريخه إلى عصور متأخرة جداً، والتاريخ يسجل الوقائع والأحداث، وخاصة أحداث الخلافة، أو البلاط، والحروب والخارجين على الدولة وقمع الحركات. أي الأوضاع السياسية والعسكرية في الدولة.
فيا ترى هل هذا هو التاريخ؟!.
إن النظرية القرآنية للتاريخ أشمل وأعم من ذلك،القرآن الكريم يستعرض لنا سنن الله في المجتمعات لأخذ العظات والعبر منها ولنتعرف على عوامل نهوضها وتقدمها ومقومات سعادتها، وربط كل ذلك بالإيمان بالله واليوم الآخر.
المؤرخون يذكرون إلى يومنا هذا الحضارة الفرعونية والرومانية وحضارة عاد بالاحقاف وثمود ومدين وصالح بالتعظيم. لما تركت من آثار تدل على التقدم العمراني والهندسة المتطورة، ولكن نظرة القرآن إلى مثل هذه الحضارات تختلف، إنها حضاراتٌ سخرت الطاقات البشرية والعلمية إلى تقديس أفراد وتأليههم:
- الحضارة الفرعونية والاهرامات: ما نتائجها وما مردودها على سعادة البشرية. الفراعنة بنوا الاهرامات وأزهقت عشرات الألوف من النفوس وأهدرت الأموال الطائلة لإقامة أضرحة للفراعنة ليُدفنوا فيها.
قارن هذا بحكم الإسلام في تسوية القبور والنهي عن تجصيصها والبناء عليها.
¥