والجوانب التي نتناولها هو التعرف على محور السورة، والمناسبات فيها. وأسارع إلى القول بأني لن أطيل الحديث عن تفصيلات في السورة فقد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسطاط القرآن، والفسطاط المدينة الكبيرة. ولو ذهبنا نتجول في أرجاء المدينة في ساحاتها ومنتزهاتها ومخازنها وقصورها وحوانيتها لطال بنا التجوال.
وقبل البدء أثير تساؤلات لكي تشاركوني في البحث ما الحكمة من تسميتها بسورة البقرة؟!
ومن المعروف أن حادثة ذبح البقرة وتكليف بني إسرائيل بها للتعرف على القاتل وردت في السورة، فقد يقول قائل لأن القضية غريبة وفيها دلالة على عظيم قدرة الله تعالى بإحياء الموتى فكانت الحكمة بتسمية السورة بهذه الحادثة، حادثة البقرة.
ولكن الحوادث الغريبة في السورة الكريمة – بل الحوادث التي هي خارقة للعادة، ما يسميه العلماء المعجزات، أكثر من عشر حوادث ومن هذه الخوارق خمس فيها إحياء الموتى.
واسمحوا لي أن أمر سريعاً على الحوادث الخمس في إحياء الموتى التي ذكرت في سورة البقرة.
ذبح البقرة:
قد يكون من الحكم لاجتثاث حب العجل من قلوبهم ? (ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ? ? وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين?) البقرة/93،92.
1 ً- في قوله تعالى (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرَى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون، ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) ?56،55.
2 ً- وقوله تعالى (وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون) ?73،72.
3 ً- وقوله تعالى (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال الله لهم موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) ?243.
4 ً- وقوله تعالى (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير) ?259.
5ً- وقوله تعالى (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي. قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً واعلم أن الله عزيز حكيم) ?26. .
خمس حوادث في إحياء الموتى، ولم تختر حادثة منها اسماً للسورة سوى حادثة ذبح البقرة.
فما السر وما الحكمة؟
إن المناسبات في السورة سواء ما كان منها بين اسم السورة ومحورها أو بين مقاطع السورة ومحورها أو بين افتتاحية السورة وخاتمتها. كل ذلك وثيق الصلة بالمحور وتحديده.
لذا اسمحوا لي أن أرجيء ذكر الحكمة في اختيار هذا الاسم للسورة إلى ما بعد استعراض مقاطع السورة بشكل سريع:
يمكننا تقسيم سورة البقرة – وهي أطول سور القرآن الكريم 286 آية: إلى أربعة مقاطع:
أولاً: الافتتاحية:
وتبدأ من أول السورة إلى نهاية الآية 39 وذكر فيها: بيان مكانة القرآن الكريم ومواقف الناس منه: المؤمنون وبعض صفاتهم، والكافرون وبعض صفاتهم، والمنافقون وبعض أساليبهم.
?ثم توجيه النداء إلى الناس عامة للقيام بالمهمة التي خلقوا من أجلها (يا أيها الناس اعبدوا ربكم ... )
وذكرت دواعي هذا الطلب: وهو كون الله خالقاً لهم رازقاً منعماً كما بيّن أن طريق الإيمان برسول الله ? هو هذا الكتاب المنزل عليه من ربه الذي تحداهم وأعجزهم عن الإتيان بمثل سورة منه.
فمن لم يؤمن به فمصيره إلى النار التي وقودها الناس والحجارة، وأما المؤمنون به المتبعون لهداياته فلهم البشرى بجنات تجري من تحتها الأنهار فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ?ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون? ثم جاء الحث على الإيمان بالله الخالق الذي سخر للإنسان ما في السماوات ومافي الأرض.
¥