- فظهر التفسير اللغوي في العصر العباسي، والتفسير الفقهي في القرن الرابع إلى السابع الهجري، وتفاسير علماء الكلام في بعض الأجيال.
فإن التفسير الموضوعي يعكس ثقافة هذا العصر من خلال تناول الموضوعات المختلفة في ضوء القرآن الكريم.
أنواع التفسير الموضوعي
أيها السادة والسيدات:
قلت في مقدمة كلامي إن هذا اللون من التفسير، يعتبر من ألوان التفسير المعاصر على الرغم من وجود نواته الأولى في العصور الإسلامية الأولى.
وقلت إن نتائج دراسته لم يتفق عليها بعد بين الباحثين لذا وُجد اختلاف بين الكاتبين في مناهج التفسير الموضوعي حول أنواع هذا اللون أو أقسامه:
- فهناك من قسمه إلى ثلاثة أنواع ومنهم من اكتفى بنوعين:
الأول: تناول موضوع من خلال القرآن الكريم.
الثاني: تناول مصطلح من خلال القرآن الكريم.
الثالث: تناول تفسير سورة تفسيراً موضوعياً.
ونظراً لضيق الوقت، وخوفاً من السآمة والملل ألقي بعض النظرات وأتناول لفتات حول النوع الثالث وهو: تناول السورة على طريقة التفسير الموضوعي.
وقبل الخوض في التفاصيل أحب أن أنبه إلى بعض القضايا التي ينبغي أن نعتبرها من المسلمات في التفسير:
أولاً: إن لكل سورة قرآنية شخصيتها، وملامحها، وأسلوبها الخاص تتميز بها عن بقية سور القرآن الكريم.
لذا نجد مزايا وخصائص لبعض سور القرآن الكريم ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى – كقوله عن سورة الفاتحة: إنها أم الكتاب، وإنها أفضل سور القرآن الكريم. وعن سورة البقرة إنها ذروة سنام القرآن وفيها آية هي سيدة أي القرآن – آية الكرسي – وعن سورة البقرة وآل عمران أنهما الزهراويان، وأنهما تحاجان عن صاحبهما يوم القيامة، وعن سورة الكهف وخاصة الآيات العشر الأولى منها وفي رواية العشر الأواخر منها من قرأهما كانت له وقاية من فتنة الدجال. وعن سورة الملك إنها تعصم صاحبها من عذاب القبر ... إذن لكل سورة شخصيتها ...
ثانياً: لكل سورة محورها وهدفها. ونقصد بالمحور القضية الأساسية، أو الموضوع الأساس الذي تهدف السورة على إبرازه.
وكل ما يرد في السورة من قصص، وتشريع، وأحداث غيبية تصب كلها في إبراز هذا المحور.
وكذلك الأساليب المستخدمة في التعبير عن تلكم القضايا كلها تساعد في ترسيخ الموضوع أو بيان معالم المحور.
ثالثاً: إن التعرف على المحور قضية اجتهادية لدى المفسر ولكن هنالك معالم يستطيع الباحث أن يتعرف على المحور من خلالها فمثلاً: يمكنه التعرف على محور السورة من خلال:-
أ- وقت النزول: إذا عرف أن السورة مكية، فإذن لا بد أن يكون محورها: في قضية الألوهية، أو يكون في الإيمان باليوم الآخر، أو في النبوة، أو في الدعوة إلى أمهات الأخلاق وأصول العبادات فهذه القضايا الأربع لا تخلو سورة مكية مهما طالت أو قصرت من واحدة أو أكثر منها.
- أما إذا كانت السورة مدنية أي نزلت بعد الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، فيضاف إلى الأهداف الأربعة السابقة، ثلاثة أهداف أخرى: البناء: أي بناء المجتمع الإسلامي بالتشريعات التفصيلية. المتعلقة بالعبادات والمعاملات ...
- والحماية: بتشريعات الجهاد وتكوين العلاقات الدولية وغيرها لحماية المجتمع الإسلامي.
- والصيانة: حماية المجتمع الإسلامي من الداخل من الأعداء الذين يعايشون المسلمين كالمنافقين، والذين يتربصون بالمسلمين الدوائر من غير المسلمين فلا تخلو سورة مدنية من أحد هذه الموضوعات السبعة.
وقد تشمل السورة الطويلة على أكثر من موضوع منها.
ب- ويمكن التعرف على محور السورة من خلال الأحداث والمقاطع والقصص في السورة. فعرض قصص منوعة في سورة واحدة غالباً ما يجمع بينها محور أو هدف لسياقها كما في سورة الكهف. وتناول تشريعات لشريحة أو أكثر تبرز علاقةً بين هذه التشريعات أو هذه الفئات في المجتمع كما هو الحال في سورة النساء أو في سورة المائدة ...
جـ- ويمكن التعرف على محور السورة من خلال عنوانها، (اسم السورة) وخاصة الأسماء التوقيفية للسورة التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فهنالك مناسبة بين الاسم والمحور قد تكون ظاهرة وقد تكون دقيقة خفية.
بعد هذه القضايا النظرية لنأت إلى مثال تطبيقي، ونكتفي بعمومات في هذا المثال ولن نخوض بالتفاصيل.
المثال هو سورة البقرة:
¥