ثالثاً: في اختيار المادة العلمية، وهذا مطلب عزيز اليوم؛ فبعض أهل العلم في عصرنا إن أتاه من يرغب في الطلب (وهذا بعد إلحاح وجهد جهيد إن وافق!!)
يقول لهم اختاروا كتاباً! والمُشكِل إن كانوا في بداية الطلب! فقد لا يحسنوا اختيار الكتاب، وقد يكون مكروراً عليهم، وهذا من جملة الأخطاء في الطلب.
نعم قد يكون حرصهم على التتلمذ على الشيخ، واللحاق بشرف ذلك! ولكن لا ينبغي لهم العدول عن الأهم
والوقوع في أمر لا يجنون منه كبير فائدة.
وقد قال أحد السلف: (من اشتغل بغير المهم، أضرَّ بالمهم)
وهذا الخطأ يكثر عند الشباب إبان انعقاد الدورات العلمية؛ فتجد حالهم بين أمرين:
الأول: من يشارك في حضور درس أعلى منه في المستوى، ولم يصل لمرتبة، وقد يكون متخصصاً دقيقاً؛ فهذا مضيعة وقت في حقه، ولا يجني الكثير.
والثاني: من سبق له أخذ هذا الدرس، وربما عن أكثر من شيخ، ولكن يواظب على حضوره، وهذا أيضاً مضيعِ لوقته في المفضول لا الفاضل، والأولى أن يلتفت لدورس جديدة؛ ليواصل الرُّقِيَّ في العلم والازدياد منه.
إلا رجلاً يرى أن في حضور درس سبق أخذه فائدة، وذلك:
_ إما مراجعة لما سبق والحضور يعينه على ذلك ويأنس به.
_ أو أن يكون المحاضر صاحب اختصاص لما يشرح، بخلاف من سبق، وهذا مندوحة للحضور.
_ أو يكون عرف عن المحاضر حسن العرض، وجدَّة المعلومات، ونفاسة الفوائد.
وأياً كان؛ فاالأَوْلَى بالشيخ الكريم أن يسألهم تلاميذه، ماذا عندكم من العلم في هذا الفن أو الباب؟
ماذا قرأتم قبل هذا؟
ومن خلال ذلك يختار معهم ما يكون نفعه كبيراً إن شاء الله.
هذه من جملة النصح في الطلب.
ورحم الله أبا جعفر الغرناطي على هذا النكتة في سيرة.
وأحثٌّ الأحبة إلى القراءة والنظر في سيرة هذا العالم ففيها نفائس كبيرة.
والله أعلم ذلك:
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[07 Jun 2007, 02:30 م]ـ
شكرك الله سعيك أبا العالية
لله درك على هذه النفائس الغالية.
ولقد أعجبني ـ فوق ما نقلت ـ التعليق المليح من يراعك اللطيف.
وكم يفرح طالب العلم بصيد تعليقٍ نفيس في كتب التراجم، قد تفك مبهمًا، أو تدل على فضل، أو تهدي إلى علم.
سر واستعن بالله، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.
ـ[أحمد العاني]ــــــــ[07 Jun 2007, 06:41 م]ـ
جزاكم الله خيرا.
في كتاب أبي شامة المقدسي في البدع صورة مشرقة من أمر الشيخ أبي إسحاق الجبنياني بالمعروف و نهيه عن المنكر و غيرته على عقيدة التوحيد، رحمه الله تعالى.
ـ[أبو العالية]ــــــــ[09 Jun 2007, 08:22 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
6_ (35) أحمد بن حسين بن علي بن رسلان، الشيخ شهاب الدين الرَّملي، الشهير بانب رسلان الشافعي رحمه الله (775_ 804هـ)
1. الأخفياء:
قال الداودي رحمه الله عنه: (يدعو إلى الله سراً وجهراً، ويأخذ على أيدي الظلمة، مع محبة الخمول، والشغف بعدم الظهور!) (1/ 39)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
لله درُّه؛ فإنَّ من نال من العلم ما ناله، وبرع وبرز فيه حتى صار إماماً في كلِّ فنٍّ وعلم؛ يَصعُب عليه جداً أن تبرز عنده هذه الخصلة الرفيعة، بل الأعجب من ذلك: (الشغف بها)!
نعم، إنَّ من جملة أفضل الأعمال، متابعة أعمال القلوب، والحرص على تعاهدها وتنقيتها من كل ما يشوبها، ومتى ما خالفت الجادَّة؛ كَبَحَ جِمَاحها، وكسر علياءَها، وأمسك بلجامها ومرَّغه في عَتَبات العبوديَّة، حتى تقهر وتنقى وتصفى، وإلا جنت عليه كل مصيبة من جرَّاء هذا الداء الخطير.
صاننا الله وإياكم من أهواء القلوب وزلاته.
إِيْهِ أيُّها الشيخ العارف، لقد أتعبت من بعدك.
إنَّ مثل هذه الأخلاق العالية، والسِّمات المؤمنة الرفيعة، تبرز عند أصحاب القلوب الحيَّة، والذي أكبر هَمِّهِم (رضى المولى تبارك وتعالى عنهم) فهم لا يُبَالون بنظر الناس إليهم، ويْكَأنَّ لسان حالهم يقول: (لا يضيرنا إن خَفِينا على الناس، ما دام الله مُطَّلعاً علينا)
فأنعم وأكرم بها من روحٍ نقية، ونفوسٍ سويَّة، وهِمَمٌ عليَّة.
ومما يَندى له الجبين، أن تجد العكس على التمام؛ فإنك قد تُطالع _ وهو من عجائب الدنيا اليوم _ من لم يبلغ عُشر معشار هذا العالم في العلم، والدعوة إلى الله تعالى، وتجد عنده من حبٍّ الظهور، والتعالي على الناس، والأَنَفَة من مخالطة عوام المسلمين وفقرائهم، العجب الأشد!
بَيْنَا تجده راغباً، ومستجيباً سريعاً، هيناً، ليناً، مع أهل الدُّثور، والغنى، والسلطان!!
فجمع بين آفتين، نسأل الله السلامة والعافية.
وأصل ذلك كله كما قيل:
حُبُّ الظهورِ على ظهو * * * ر الناسِ مَنْشَأُه الغرورُ
2_ من روائع نظمه:
لفاتحة أسماء عشر وواحد * * * فأم كتاب والقرآن ووافيه
صلاة مع الحمد الأساس ورقية * * * شفاء كذا السبع المثاني وكافية
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهذا في حدِّ علمه رحمه الله، وإلا فأسماء السورة أكثر من ذلك أوصلها السوطي إلى نيِّف وعشرين ما بين أسماء وصفات وألقاب وردت عن السلف رحمهم الله. (انظر: أسماء سور القرآن وفضائلها (98))
وله أيضاً:
تواضع وكن في الناس سهلاً ميسراً * * * لتلقى لهم من فيك دراً وجوهراً
وإيَّاك ويبس الطبع فيهم ترفعاً * * * عليهم فتُرمى بالقبيح وتُزدرى
رحمه الله رحمة واسعة
وإلى نكتٍ ومُلَحٍ مع عالم آخر إن شاء الله
والله أعلم
¥