فعن عبد الله بن مسعود ? قال: قال رسول الله ?: [إذا تكلَّمَ الله بالوحْيِ سمعَ أهلُ السماءِ للسماءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ على الصَّفا، فيُصْعقُونَ فلا يزالون كذلك حتّى يأتيهم جبريلُ، حتّى إذا جاءهم جبريلُ فُزِّعَ عن قلوبهم، قالَ: فيقولونَ: يا جبريل ماذا قالَ ربُّكَ؟ فيقولُ: الحقَّ، فيقولونَ: الحقَّ الحقَّ] ().
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" بيّنَ الله في غيرِ مَوْضعٍ أنّه – أيْ القرآن –
مُنَزَّلٌ مِن الله، فمن قالَ: إنّه مُنزَّلٌ من بعض المخلوقاتِ كاللوحِ والهواءِ فهو مُفْتَرٍ على الله مُكَذِّبٌ لكتابِ الله، مُتَّبِعٌ لغيرِ سبيل المؤمنين ". ()
الوقفة الرابعة: بما أنّه قد صحَّ عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما نُزولُ القرآنِ إلى السماء الدنيا فيكونُ معنى الإنْزالِ المذكورِ في القرآنِ أمْران ():
الأول: ما دلَّ عليه أثرُ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما مِن نُزولِه إلى السماء الدنيا في ليلةِ القدْر، وقد نَقل القرطبيُّ الإجماعَ عليه. ()
الثاني: ابتداءُ إنْزالِه في ليلةِ القدْر.
وبهذا نعلمُ أنّه لا تعارُضَ بينَ أثرِ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما وبينَ أنّ القرآنَ أُبْتُدِأَ إنْزالُهُ في رمضان.
وخُلاصة ما تقدّم أنّ للقرآنِ نُزولَيْن:
النزول الأول: مِن اللوحِ المحفوظ إلى السماء الدنيا جُملةً واحدة، فهو إنْزالٌ مِن مَكْتوبٍ إلى مَكْتوب، ولَمْ يَرِدْ في الروايات أنّه يقتضي أنّ الله تكلَّمَ به في هذا الإنْزال، بلْ كَوْنُه مَكتوبًا قبل في اللوحِ المحفوظ لَمْ يقتضِ ذلك.
النزول الثاني: إنْزالُ القرآن على النبيِّ ? مُفرَّقًا بواسطةِ جبريلَ ?، وقد دلّت النصوصُ على أنّه وَحْيٌ، وأنّ الله يتكلَّمُ بالقرآنِ حينَ إنْزالِه.
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية بعدَ أنْ قرَّر أنّ الله تكلَّمَ بالقرآنِ حينَ إنْزالِه:" وهذا لا يُنافي ما جاء عن ابنِ عبّاسٍ وغيره: أنّه أُنْزِلَ في ليلةِ القدْر إلى بيتِ العزَّةِ في السماء الدنيا ولا يُنافي أنّه مَكتوبٌ في اللوحِ قبلَ نُزولِه سواء كتَبَهُ الله قبلَ أنْ يُرسل به جبريلَ أوبعده، فإذا أُنْزِلَ جُملةً إلى بيتِ العزَّةِ فقد كتَبَهُ الله كُلَّه قبلَ أنْ يُنزلَه والله يعلم ُما كانَ وما يكونُ وما لا يكونُ لو كانَ كيفَ يكون، وهو قد كتَبَ المقاديرَ وأعمال العباد ِقبل أنْ يعملوها ثُمَّ يأمُرُ بكتابتها بعد أنْ يعملوها فيقابل بين الكتابةِ المتقدّمة والمتأخرّة فلا يكون بينهما تفاوتٌ هكذا قال ابنُ عبّاسٍ وغيره، فإذا كانَ ما يَخْلُقه بائنًا عنه فقد كتَبَه قبلَ أنْ يَخْلُقه فكيفَ لا يكْتُب كلامه الذي يُرسل به ملائكته قبل أنْ يُرسلهم؟
ومَن قال إنّ جبريلَ أخذهُ عن الكتاب لَمْ يَسْمعه مِن الله فهو باطلٌ مِن وجوه ... " ثم ذكرها.
....................
(1) الأثر مَرْويٌّ مِن وجوه متعدّدة عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما، انظرها في: فضائل القرآن لأبي عبيد صـ (367)، المصنّف لابن أبي شيبة (6/ 144)، تفسير ابن جرير (30/ 258)، تفسير ابن أبي حاتم (8/ 2690)، المستدرك للحاكم (2/ 578) وقال:" حديثٌ صحيحٌ على شَرْطِ الشيخين ولَمْ يُخرِّجاه "، السنن الكبرى للبيهقي (4/ 504)، الوسيطُ للواحديِّ (4/ 532)، المرشد الوجيز لأبي شامة صـ (20).
والأثرُ صحيحٌ صحَّحهُ غيرُ واحدٍ: مِنهم الحاكمُ وأبو شامة في الموضعين السابقين، والزركشيُّ في: البرهان (1/ 290)، وقال السيوطيُّ:" أسانيدها كُلُّهَا صحيحةٌ " انظر: الإتقان (1/ 130)، وابنُ حَجَرٍ في: فتح الباري (10/ 5). وانظر: مجمع الزوائد (7/ 140). وقد تتبّع طُرقه د. محمد با زمول وحكم عليها في كتابه: القراءات وأثرها في الأحكام (1/ 35) وخَلُصَ إلى صِحَّةِ الحديث
ـ[صالح الفايز]ــــــــ[03 Jun 2007, 11:17 م]ـ
يا فضيلة الدكتور: وازن كثيرا بين المصالح والمفاسد المترتبة على طرح الموضوع أو عدمه قبل طرحه، فكم طعن في علماء الأمة ودينها بسبب الغفلة وحسن النية.من بعض العلماء وطلاب العلم.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[04 Jun 2007, 12:30 ص]ـ
الدكتور الكريم: شكر الله لك تنبيهك , ولا أظن أن مناقشة الموضوع فيها طعن أو أن تكون سبباً للطعن , وقول الشيخ موجود ومتداول في كتبه فهو ليس سراً من الأسرار وفقك الباري.
ـ[أبو العالية]ــــــــ[04 Jun 2007, 10:12 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
جزاك الله خيراً يا دكتو أحمد وقفة موفقة منك نفع الله بك.
وشيخنا حبيب إلينا ولكن حب الحق أحب إلينا.