تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و في الوثائق الفرنسية أن التعليم العربي الإسلامي كان على العموم مزدهرا سنة 1830 و هو يتألف من مستويات التعليم الثلاث المعروفة اليوم: الإبتدائي و الثانوي و العالي. و كان التعليم الثانوي و العالي مجانا، أما الإبتدائي فقد كان بأجر إختياري ضعيف، و في أغلب الأحيان يدفع الأجر عينا. و جميع أنواع التعليم لا تقدم إليها الدولة (الجزائرية) أية مساعدة، فكان تعليما حرا بمعنى الكلمة. و كانت المدارس تابعة للمساجد في أغلب الأحيان، و يشرف عليها وكلاء الشؤون الدينية، و هي تتغذي من أملاك الأوقاف الخيرية. و لكن منذ الاحتلال دخلت أملاك الأوقاف في أملاك الدولة الفرنسية، فأهملت المدارس الإسلامية، و توقف التعليم الابتدائي و الثانوي، و لم تبق إلا بعض الزوايا البعيدة و المعزولة حيث الدروس العليا.

و يضيف تقرير أخر أن المعلمين كانوا أيضا أحرارا. فهم لا يخضعون إلى أية ترقية، و شهرتهم هي التي تدل عليهم، و هذه الشهرة تكتسب حسب العلم و الأخلاق الكريمة و السلوك الجيد، كما أنهم كانوا يحصلون على الشهادة (الإجازة) من أستاذ معروف. و كانت المدارس كثيرة، و رواتب المعلمين مضمونة من مداخيل المساجد (الوقف). و كان مشاهير الأساتذة يأتيهم المتعلمون من أماكن بعيدة – و قد أقيمت الزوايا المجاورة للمساجد لإيواء أمثال هؤلاء الغرباء. و كان عدد هذه الزوايا في مدينة الجزائر وحدها ستة (06)، إثنتان (02) لأهل الشرق و ثلاثة (03) لأهل الغرب وواحدة (01) لأهل المدينة (الجزائر)، و قد إختفت جميعها و لم تبق بعد سنة 1846 سوى واحدة كانت تقع في سوق الجمعة. و كل هذه الزوايا كانت تصونها و تتعهدها أموال الأوقاف قبل مصادرتها. و كذلك لم يبق من المدارس القديمة إلا عدد ضئيل، و أصبح التعليم في الباقي منها ناقصا. و إختفت كثيرا من المساجد أيضا بالهدم و التحويل عن الغرض الأصلي.

أما خارج مدينة الجزائر، فإن التقرير يذكر أن المدارس الشهيرة و الزوايا كانت متوفرة ثم إختفت نتيجة للإحتلال و الإهمال و مصادرة الأوقاف و هجرة العلماء أو نفيهم. و من هذه المدارس مدرسة صالح باي [الحاكم التركي و قائد حركة الجهاد ضد الفرنسيين في الشرق الجزائري] بقسنطينة، و مدرسة قرومة الواقعة على وادي الزيتون شرقي العاصمة، و مدرسة (زاوية) سيدي محمد بن عبد الرحمن بجرجرة، و بسهل متيجة كانت زاوية مربوني بالأربعاء [منطقة القبائل]، و زاوية سيدي خير الدين و زاوية النميلي ببني موسى [غرب العاصمة].

و يضيف التقرير أن الزوايا التابعة للقبائل و الأعراش قد اختفت أيضا نتيجة الانتقام الاستعماري من المقاومة الباسلة و الخسائر التي تكبدتها السلطات في حروبها المريرة و حملاتها العسكرية لاحتلال هذه المناطق و التي قادها شيوخ و طلبة هذه الزوايا، إذ قامت يهدم الزوايا و ما نتج عنها من تشتت للمعلمين و المتعلمين، و اختفاء للكتب والمخطوطات. كما أن المعلمين عموما تضاءل عددهم حتى في المدن لضعف الرواتب و عدم إنتظام الدروس و إستقرار الحياة العلمية.

كان برنامج التعليم يكمل بعضه بعضا. ففي الإبتدائي يحفظ الطفل كل أو أجزاء من القرأن الكريم، و يتقن الكتابة و القراءة، و يتعلم مبادئ الدين، و يحفظ المتون و النصوص الضرورية. و في الثانوي يواصل المطالعة و الفقه و التوحيد و دراسة النحو و الصرف و أوليات التفسير و مصطلح الحديث و السيرة النبوية.

و أما الدراسات العليا فتشمل الفقه أيضا و أصول الدين و التوحيد و التاريخ الإسلامي و بعض الحساب و الفلك و الجغرافية و الطب و التاريخ الطبيعي. و قد لا حظت التقارير أن التعليم الأول كان يحصل عليه أبناء الطبقة الغنية و كذلك التعليم العالي الذي لا يواصله عادة إلا الطبقة التي كرست حياتها للعلم حتى أصبح فيها وراثة. و المقصود هنا هو علم الدين. و قد أضاف بعضهم إلى مواد التعليم العالي الهندسة، و علم الرسم و الزخرفة و الخطاطة و كتابة الوثائق.

و المدارس لم تندثر دفعة واحدة. ففي العاصمة كانت حوالي مائة مدرسة سنة 1830 لم يبق منها سنة 1840 سوى حوالي 24 مدرسة (مسيد باللهجة الجزائرية) يتردد عليها 600 تلميذ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير